وسبق للجامعة أن اعتمدت في ختام القمة العربية التي انعقدت بتونس، بتاريخ 23/5/2004، الميثاق العربي لحقوق الإنسان، والذي دخل حيز النفاذ في 16/3/2008، بعد أن صادقت عليه سبع دول عربية عملا بما تنص عليه المادة 49من الميثاق.أما الدول العربية التي صادقت عليه حتى الآن، فهي:الأردن، والأمارات العربية المتحدة، والبحرين، والجزائر، والسودان، وسورية، والعراق، وفلسطين، وقطر، والكويت، ولبنان، وليبيا، والمملكة العربية السعودية، واليمن.
وأسس هذا الميثاق العربي آلية لمراقبة حسن تطبيق الدول الأطراف فيه لالتزاماتهم من خلال اختصاصات لجنة حقوق الإنسان العربية(لجنة الميثاق)، وهي تضم 7أعضاء من مواطني هذه الدول ويعملون بصفتهم الشخصية ويبحثون في التقارير الأولية والدورية التي ترسلها الدول الأطراف إلى اللجنة والتي تقوم بصياغة تقاريرها وتوصياتها بخصوص هذه التقارير.
ولم ينص الميثاق العربي لحقوق الإنسان على تأسيس محكمة عربية لحقوق الإنسان، فجاء قرار وزراء خارجية الجامعة ليسد هذه الثغرة في آلية الميثاق ويؤسس محكمة عربية تسهر على احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في الدول الأعضاء في الجامعة.
وسبق اعتماد نظام المحكمة العربية انعقاد عدة اجتماعات ومؤتمرات لمناقشة مشروع هذا النظام من بينها المؤتمر الذي دعت إليه مملكة البحرين وألتأم في المنامة يومي25 و26/2/2013بحضور وزراء وممثلي الدول العربية وعدد من الخبراء، والمؤتمر الثاني الذي انعقد أيضا في المنامة يومي25و26/5/2014، وشهد حضور عدد كبير من ممثلي المجتمع المدني والخبراء والباحثين من العالم العربي وأوروبا وأفريقيا.
محاكم إقليمية أخرى لحماية حقوق الإنسان
تأتي جهود جامعة الدول العربية لتأسيس محكمة عربية لحقوق الإنسان في سياق جهود منظمات إقليمية أخرى.فقد أسست منظمة مجلس أوروبا ومقرها مدينة ستراسبورغ الفرنسية محكمة أوروبية لحقوق الإنسان مقرها في تلك المدينة بفضل اعتماد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950، وتضم هذه المحكمة 47قاضيا.واعتمدت منظمة الدول الأمريكية ومقرها العاصمة الأمريكية واشنطن الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969والتي كرست فصلها الثامن لتأسيس محكمة أمريكية لحقوق الإنسان تضم 7قضاة ومقرها مدينة سان خوسية في جمهورية كوستاريكا بأمريكا الوسطى.واختار الاتحاد الأفريقي اعتماد بروتوكول في عام 1998مضاف إلى الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الذي تم اعتماده عام 1981، ليؤسس محكمة أفريقية لحقوق الإنسان والشعوب تضم 11قاضيا ومقرها مدينة أروشا بجمهورية تنزانيا.
ونلاحظ بذلك بأن الميثاق العربي لحقوق الإنسان مشابه للميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب حيث لم ينص كلا الميثاقين على تأسيس محكمة، وجاء لاحقا اعتماد الاتحاد الأفريقي لبروتوكول عام 1998خاص بالمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان.أما في رحاب جامعة الدول العربية فقد تم تأسيس المحكمة العربية لحقوق الإنسان بفضل قرار مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية.
بعض الملاحظات
لعله كان من المحبذ أن يتم اعتماد بروتوكول، بمقتضى المادة 52من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، يتعلق بتأسيس المحكمة العربية لحقوق الإنسان، وأن يتم اعتماد هذا البروتوكول من طرف مجلس الجامعة على مستوى القمة، وكما تم اعتماد الميثاق العربي لحقوق الإنسان في نهاية أعمال القمة العربية بتونس عام 2004، وهو ما يعطي نظام المحكمة العربية لحقوق الإنسان أهمية أكبر وبُعدا أوسع، هذا من ناحية.
وسيطول الكلام، من ناحية ثانية، لو أردنا أن ندخل في تفاصيل نظام هذه المحكمة العربية، وحسبنا أن نشير إلى بعض الملاحظات التي ستكون، حسب تصورنا، محور نقاشات ومقترحات بغرض تطوير هذا النظام وتحديثه، وبشكل يواكب أنظمة المحاكم الإقليمية لحقوق الإنسان، وهذه الملاحظات هي:
- ضرورة إفساح المجال للفرد و/أو لمجموعة من الأفراد و/أو المنظمات غير الحكومية بتقديم شكاوى إلى هذه المحكمة.فتقديم الشكاوى يقتصر في النظام الحالي، وحسب المادة 19منه على الدولة الطرف في النظام: "التي يدعي أحد رعاياها أنه ضحية انتهاك حق من حقوق الإنسان"، وبشرط "أن تكون الدولة الشاكية والدولة المشكو في حقها طرفاً في هذا النظام"، هذا من طرف. ولكن يجوز، من طرف آخر، أن تلجأ إلى المحكمة"منظمة وطنية غير حكومية"ناشطة في مجال حقوق الإنسان، ومعتمدة لدى الدول الطرف في نظام المحكمة، لصالح أحد رعايا هذه الدولة والتي يدعي فيها بأنه ضحية انتهاك حقوق الإنسان، ولكن بشرط أن تقبل الدولة بذلك.
- تقتصر اختصاصات المحكمة العربية لحقوق الإنسان يقتصر، حسب المادة 16من نظامها، على كافة"الدعاوى والنزاعات الناشئة عن تطبيق وتفسير الميثاق العربي لحقوق الإنسان أو أيه اتفاقية عربية أخرى في مجال حقوق الإنسان تكون الدول المتنازعة طرفاً فيها".وفي واقع الأمر الميثاق العربي هو المعنى بالدرجة الأولى بهذه المادة، في حين أن اختصاصات محاكم إقليمية أخرى (المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب على سبيل المثال)، يشمل كل الاتفاقيات الخاصة بحماية حقوق الإنسان التي صادقت عليها الدولة المعنية التي تقدم ضدها الشكاوى، وليس فقط الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (المادة7 من البروتوكول المؤسس لهذه المحكمة).فيجب إذن توسيع اختصاصات هذه المحكمة العربية لتشمل انتهاكات كل اتفاقيات حماية حقوق الإنسان التي يمكن أن تقوم بها دولة طرف في نظام المحكمة، وسبق أن صادقت هذه الدولة على تلك الاتفاقيات أو انضمت إليها.
لقد أصبحنا لدينا محكمة عربية لحقوق الإنسان، وهي خطوة جيدة، ولكن يجب أن تتبعها خطوات أخرى تتمثل بداية بمحاولات تلافي بعض نواحي قصور نظام هذه المحكمة، ويمكن أن تبدأ هذه المحاولات قبول دخول النظام حيز النفاذ أو بعده، وهو ما يتطلب تتضافر جهود الحكومات في الدول العربية، ومنظماتها الإقليمية، ومختلف مكونات المجتمع المدني بغرض النهوض عمليا بأوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي وتحقيق حماية فعلية لها.
* نُشرت هذه المقالة في مجلة(العربي)، الكويت، العدد 673، كانون الأول/ديسمبر،2014، ص 22-24، وفي صحيفة (النور)، أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية، كانون الثاني/يناير،2014، ص 3 و8.