منظمة مجلس أوروبا
يصادف هذا العام احتفال منظمة مجلس أوروبا، ومقرها مدينة (ستراسبورغ) بفرنسا، بمرور 70 عاما على تأسيسها، والاحتفال بإنجازاتها وبرامجها ونشاطاتها.
لقد تم تأسيس هذه المنظمة الأوروبية في 5 أيار/مايو من عام 1949، وهو ما نُظر إليه كبادرة رائدة في القارة الأوروبية التي شهدت حربين عالميتين في النصف الأول من القرن العشرين، والتي عانت منهما ليس فقط كل بلدان هذه القارة وشعوبها، بل بلدان وشعوب قارات أخرى.
وتنشط هذه المنظمة في ثلاثة مجالات أساسية وهي: حقوق الإنسان، والديمقراطية، وسيادة القانون.
وجاء اعتماد ميثاق هذه المنظمة وبيان أهدافها وطريقة عملها من خلال الهيئات التي أسستها لتتفاعل في هذه المجالات وتتميز فيها، وتسعى لتحقيق هذه الأهداف ليستفيد منها كل من يتواجد، من أوروبيين وغير أوروبيين، على أراضي الدول الأعضاء في المنظمة وعددهم حاليا 47 دولة أوروبية، ناهيك عن دول أوروبية وغير أوروبية تشارك كمراقبين، أو منظمات تربطها اتفاقيات تعاون خاصة مع المنظمة، مثل: الاتحاد الأوروبي.
وتعتمد هيكلية مجلس أوروبا على أربع هيئات رئيسية، وهي: لجنة الوزراء، والجمعية البرلمانية، والأمانة العامة، ومؤتمر السلطات المحلية والإقليمية.
ونجد أيضا بجانب هذه الهيئات الرئيسية أربع هيئات متخصصة، وهي: اللجنة الأوروبية للديمقراطية والقانون (لجنة البندقية)، واللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية وعدم التسامح، ومجموعة الدول لمكافحة الفساد، ومؤتمر المنظمات الدولية غير الحكومية.
وترتبط منظمة مجلس أوروبا بعلاقات متميزة مع العديد من المنظمات الدولية والأوروبية مثل: منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وترتبط بشكل خاص مع الاتحاد الأوروبي وتتعاون معه في عدة مجالات.
واهتمت هذه المنظمة، ومنذ تأسيسها بحماية حقوق الإنسان في الدول الأعضاء فيها، وكان أن اعتمدت في عام 1950 الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والتي دخلت حيز النفاذ عام 1953. وهذه الاتفاقية الأوروبية في تطور وتحسن مستمر من خلال البرتوكولات التي تضاف إليها، والتي بلغ عددها حتى الآن 16 برتوكولا.
ولم يكتف مجلس أوروبا باعتماد هذه الاتفاقية الأوروبية، بل اعتمد العديد من الاتفاقيات الأخرى تعزيزا لحماية حقوق الإنسان في القارة الأوروبية.
المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان
تميزت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والتي اعتمدتها منظمة مجلس أوروبا بآليتها من خلال تأسيس المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وتعدد اختصاصاتها، والسماح بشكل أساس للفرد و/أو لمجموعة من الأفراد و/أو المنظمات غير الحكومية بتقديم شكاوى فردية إلى هذه المحكمة الأوروبية في حال مخالفة الدول الأطراف فيها لأحكامها، وهذه الدول الأطراف هي الدول الأعضاء في منظمة مجلس أوروبا.
وتحتفل هذه المحكمة الأوروبية هذا العام، ومقرها مدينة (ستراسبورغ)، بمرور 60 عاما على بدء مباشرتها لاختصاصاتها التي نصت عليها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وكانت قد أصدرت في عام 1960 أولى أحكامها.
مؤسسة رينه كاسان-المعهد الدولي لحقوق الإنسان
حصل الفرنسي رينيه كاسان على جائزة نوبل للسلام عام 1968 تكريما لجهوده، ولكونه أحد محرري الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948.
واهتم رينيه كاسان بحماية حقوق الإنسان، وسعى لتعليمها ونشر ثقافتها، فقام في عام 1969، بتأسيس المعهد الدولي لحقوق الإنسان، واختار مدينة (ستراسبورغ) مقرا له. ويحتفل المعهد، الذي تحول إلى مؤسسة تحمل اسم رينيه كاسان، في هذا العام بمرور 50 عاما على تأسيسه.
وأوضح كاسان الهدف من تأسيس المعهد، وهو: "العمل بكل استقلال على حماية الحقوق الأساسية وتطويرها، وتعهد وتشجيع دراسة متخصصة لحقوق الإنسان"، وكان يرى بأن "احترام حقوق الإنسان هو شرط أساس لحفظ السلام".
وتنظم المؤسسة، ومنذ عام 1969، دورة تدريبية لمدة أربعة أسابيع في الشهر السابع من كل عام لتدريس مختلف الأنظمة الدولية والإقليمية لحماية حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، بالإضافة إلى مواضيع متخصصة ومتنوعة في مجال حماية حقوق الإنسان.
ويتم التدريس أساسا في الدورات السنوية للمؤسسة بالإنكليزية والفرنسية، وأضيف التدريس بالإسبانية اعتبارا من عام 1986، وبالعربية اعتبارا 1988. ولو أن التدريس بالعربية متوقف منذ عدة سنوات.
وتنظم أيضا المؤسسة دورات خارجية في: أوروبا، وأفريقيا، وأمريكا، وفي بعض العواصم العربية مثل: بيروت، وتونس.
البرلمان الأوروبي
يُعّد البرلمان الأوروبي الهيئة التشريعية للاتحاد الأوروبي. ويضم حاليا 751 عضوا كنواب عن 28 دولة أعضاء في هذا الاتحاد.
ويحتفل البرلمان الأوروبي هذا العام، ومقره مدينة (ستراسبورغ)، بمرور 40 عاما على اعتماد الانتخاب المباشر من قبل مواطني الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لأعضائه. وأصبح من حق هؤلاء المواطنين، واعتبار من عام 1979، اختيار نوابهم في هذا البرلمان بشكل مباشر وحر وسري. وهو ما يعزز الممارسة الديمقراطية، والتمثيل المباشر لمواطني دول الاتحاد في البرلمان الأوروبي.
سقوط جدار برلين
يصادف هذا العام مرور 30 عاما على سقوط جدار برلين الذي قسم أوروبا إلى معسكرين شرقي وغربي طوال عدة عقود. وجاءت المناسبة للاحتفال بهذا الحدث التاريخي الهام بالنسبة للقارة الأوروبية ودولها ومنظماتها التي فتحت أبواب عضويتها لدول المعسكر الشرقي التي عدلت عن سياساتها القديمة ونهجت نهج دول غرب أوروبا في سعيها لتحقيق الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان.
ونذكّر ختاما، وفيما يتعلق بعالمنا العربي-الإسلامي، بأنه يصادف هذا العام مرور نصف قرن على تأسيس منظمة التعاون الإسلامي، حيث عقدت القمة الإسلامية الأولى في العاصمة المغربية (الرباط) عام 1969 وتقرر تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي التي أصبحت تُعرف منذ عام 2011 باسم منظمة التعاون الإسلامي ومقرها كما هو معروف مدينة (جدة) بالمملكة العربية السعودية
كما يصادف هذا العام مرور ثلاثة عقود على تأسيس اتحاد المغرب العربي، حيث تمت المصادقة في عام 1989 على وثيقة تأسيسه في مدينة مراكش المغربية من قبل خمس دول عربية أفريقية وهي: تونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا، وليبيا.
ولعلنا نتمنى على هذه المنظمات العربية-الإسلامية، ومن بينها بالطبع جامعة الدول العربية، تنظم بعض النشاطات الاحتفالية في مناسبات تأسيسها أو انطلاق بعض أعمالها ونشاطاتها مما سيتيح للمواطنين وللمقيمين على أراضي الدول الأعضاء فيها بالتعرف عليها، والاطلاع على هذه النشاطات وما أنجزته في مختلف المجالات.
رئيس المركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، فرنسا.