نحو صياغة معاهدة دولية لمواجهة الجوائح

This article is not available in English, but the Arabic version is available

دعا رؤساء عدة دول من قارات العالم المختلفة، وبتاريخ 30/3/2021، بالإضافة لمدير منظمة الصحة العالمية ورئيس المجلس الأوروبي أحد هيئات الاتحاد الأوروبي، المجتمع الدولي لصياغة (معاهدة دولية لمواجهة الجوائح).

وتأتي هذه الدعوة ضمن الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي من خلال دوله، ومختلف منظماته، ومكونات المجتمع المدني في مختلف دول العالم وقاراته لمواجهة خطر وباء كورنا-19 ونتائجه الخطيرة على الصحة، والاقتصاد، والبيئة، والحياة الاجتماعية لسكان كوكبنا.

وجاءت الدعوة في رسالة قامت بنشرها بعض كبرى الصحف الأوروبية مثل (ديلي تلغراف) البريطانية، و(اللوموند) الفرنسية، و(إل باييس) الإسبانية1.

أما الموقعون على هذه الرسالة فكانوا: الرئيس التونسي 2، ورئيس السنغال، والرئيس الروماني، ورئيس روندا، ورئيس كينيا، والرئيس الفرنسي، ورئيس كوريا الجنوبية، ورئيس شيلي، ورئيس كوستاريكا، ورئيس جنوب أفريقيا، ورئيس صربيا، ورئيس إندونيسيا، ورئيس أوكرانيا، والمستشارة الألمانية، ورئيس الوزراء البريطاني، ورئيس الوزراء البرتغالي، ورئيس الوزراء اليوناني، ورئيس وزراء جزر الفيجي، ورئيس وزراء ألبانيا، ورئيس وزراء ترينيداد-وتوباغو، ورئيس وزراء الأرض المنخفضة 3، ورئيس الوزراء الإسباني، ورئيس وزراء النروج، بالإضافة لكل من المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، ورئيس المجلس الأوروبي 4.

ويجب أن نُوضح بأن رئيس المجلس الأوروبي (شارل ميشال)، هو من طرح فكرة صياغة هذه المعاهدة، في الشهر الأخير من العام الفائت، على الجمعية العامة للأمم المتحدة 5. وأيدت دول الاتحاد الأوروبي في قمتها التي عُقدت في شهر كانون الأول/ديسمبر 2020، فكرة صياغة معاهدة دولية بقصد تعزيز التعاون الصحي 6.

سنستعرض الآن أهم ما جاء في هذه الرسالة التي يمكن أن نقسمها إلى قسمين: الحيثيات (أولا)، والمقترحات (ثانيا)

أولا
حيثيات الرسالة

1- تمثل جائحة كوفيد-19 أكبر تحد يواجه المجتمع الدولي منذ سنوات الأربعينيات من القرن المنصرم.

2- تندرج جهود المجتمع الدولي في هذه الأوقات ضمن السعي لمكافحة هذا الوباء، والعمل للقضاء عليه حفاظا على الصحة العامة عالميا ولحماية الأجيال القادمة، وهو ما يعزز ما سبق أن سعى إليه المجتمع الدولي بعد الحربين العالميتين بقصد تحقيق السلم والأمن، وضمان الرفاهية، وحماية الصحة.

3- إن مكافحة وباء كوفيد-19، والجوائح الأخرى، هو عمل يجب أن تتضافر فيه جهود كل البلدان وإمكانياتها، ولا يمكن لدولة بمفردها أو لمجموعة صغيرة من الدول أن تنجح لوحدها في مجال هذه المكافحة.

4- يجب ضمان الحصول بشكل عالمي وعادل على اللقاحات، والأدوية، ومواد تشخيص الأمراض وكل ما يتعلق بهذه الجائحة والجوائح الأخرى.

5- إن التطعيم هو ملك عام مشاع عالميا، ويجب أن نعمل على انتاج وتصنيع اللقاحات وتطويرها في أقرب الآجال.

ثانيا
مقترحات الرسالة

أوضحت الرسالة أن الأسباب التي تم ذكرها سالفا تعني:

1- ضرورة العمل معا على تحضير معاهدة دولية تتعلق باعتماد أسباب التصدي للجوائح ومكافحتها على أعلى المستويات السياسية.

2- سيكون دستور منظمة الصحة العالمية هو المنطلق والقاعدة الأساسية لعملية تحضير المعاهدة الدولية، مع دعم من قبل منظمات أخرى

3- ستعتمد هذه المعاهدة الدولية على الصكوك الدولية الخاصة بالصحة، وبخاصة على النظم الصحية العالمية 7، حتى نضمن أن يكون لهذه المعاهدة الدولية مرجعية قوية ومقبولة تكون منطلقا لتحسين الأوضاع الصحية وتطويرها.

4- سيكون الهدف الرئيس لهذه المعاهدة الدولية هو تشجيع الخطوات التي ستتم بمشاركة كل السلطات العامة ومكونات المجتمع، والتي ستعزز الإمكانيات الوطنية، والإقليمية، والعالمية في مواجهة كل الجوائح.

5- يجب تعزيز التعاون الدولي لتحسين، على سبيل المثال، أنظمة الإنذار، ووضع برامج معلوماتية مشتركة، وتشجيع البحوث، والانتاج، والتوزيع للمواد الطبية وأجهزة التدخل لحماية الصحة العامة، على المستويات المحلية، والإقليمية، والعالمية، مثل اللقاحات، والأدوية، ومواد تشخيص الأمراض.

6- وستؤكد هذه المعاهدة الدولية على مبدأ "صحة واحدة"، وهو مبدأ يتعلق بصحة البشر، والحيوانات، وكوكب الأرض.

7- يجب أن تضمن هذه المعاهدة نظاما يفضي إلى مسؤولية مشتركة، ويتقاسم هذه المسؤولية، ويشجع على الشفافية والتعاون في نطاق النظام العالمي وما يكفله من قواعد ومعايير.

توضح إذن هذه الرسالة التي وقع عليها عدد من المسؤولين السياسيين في العالم، واثنين من ممثلي منظمة دولي (منظمة الصح العالمية)، ومنظمة أوروبية (الاتحاد الأوروبي)، مدى الإحساس بأهمية مكافحة وباء كورونا-19، والأوبئة الأخرى. كما أنها تبين أنه في إزاء كهذا أزمات خطيرة ومصيرية وحيوية تهدد كوكبنا الذي يعاني ومنذ عقود مشكلات بيئية وحياتية خطيرة، أقول إزاء مثل هذه الأزمات يجب أن تتضافر الجهود وأن يتم العمل بكل مصداقية وشفافية وحسن نية. كما تؤكد الرسالة على تعاون الحكومات ومكونات المجتمع المدني لتحقيق الغايات المرجوة من هذه المعاهدة الدولية.

نرجو، أخيرا وليس آخرا، أن تتكلل مساعي المجتمع الدولي بالنجاح، وأن تنجح منظمة الأمم المتحدة، وبواسطة مختلف هيئاتها، باعتماد اتفاقية دولية لمواجهة الجوائح وليس فقط جائحة كورونا، وأن يكون لها آلية تطبيق فعّالة تسمح بتحقيق الأهداف المرجوة منها، هذا من ناحية.

كما نرجو، من ناحية ثانية، أن تشارك الدول العربية بفضل سفرائها وممثليها، في صياغة هذه الاتفاقية، لا أن تتألق بالغياب عن جلسات تحضير مختلف موادها وفقراتها، وأن يكون هناك إدارة سياسية فعلية للالتزام بها. فحماية الصحة والحفاظ عليها وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة بعيدا عن الأمراض والأوبئة، هو حماية ضرورية وحيوية وأساسية لسكان الدول العربية بغض النظر عن أي أسباب أو أي تمييز.



[1] لعل صحف عربية قامت أيضا بنشر هذه الرسالة ولكن لم نستطع التحقق من ذلك. كما نُشرت تعليقات عليها على المواقع باللغة العربية لكل من (DW)، و(BBC). ولم نعثر أيضا على مواقع عربية الأصل تحدثت عن هذه الرسالة! ونرحب بكل تصحيح أو تنبيه.

[2] للأسف أن الرئيس التونسي قيس سعيّد الرئيس الوحيد من بين رؤساء، وملوك، وأمراء الدول العربية الذي وقع على هذه الرسالة. وكنا نتمنى مشاركة مسؤولين آخرين بالتوقيع على هذه الرسالة، بالإضافة لتوقيع الأمين العام لجامعة الدول العربية، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي!

[3] الأراضي المنخفضة: الاسم الرسمي حاليا لهولندا سابقا.

[4] انظر، صحيفة اللوموند: Le Monde, 31/3/2021, p. 30.

[5] من الضروري أن نشير إلى أن قسم حقوق الإنسان في جامعة الجنان، وبرئاسة الدكتور مازن شندب ومبادرة منه، اقترح في الشهر الرابع من العام الفائت، على أساتذة القسم وأساتذة قانون من جامعات عربية أخرى صياغة إعلان تحت مسمى: "إعلان التزام بشأن الجرثومة التاجية/فيروس (كوفيد-19)". وتم بالفعل صياغة مسودة هذا الإعلان وكان من المقرر تعقد جامعة الجنان مؤتمرا وطنيا لبنانيا لمناقشة هذا الإعلان وتبنيه بغرض عرضه على الجمعية العامة للأمم المتحدة بهدف اعتماده، ولكن لم تسمح الظروف بعقد هذا المؤتمر! هذا من ناحية. ونظم، من ناحية ثانية، مركز الاستشارات والتدريب والتعليم المستمر في جامعة الجنان ندوة بعنوان: فيروس كورونا الآثار والتطلعات بتاريخ 9/5/2020، وكان لي شرف المشاركة بهذه الندوة، وإلقاء محاضرة بعنوان: آثار فيروس كورونا-19 على حماية حقوق الإنسان.

[6] انظر، تاريخ الاطلاع، 30/3/2021: https://www.dw.com/ar/زعماء-أكثر-من-20-دولة-يطالبون-بمعاهدة-دولية-لمواجهة-الجوائح/a-57046614

[7] انظر: https://www.who.int/features/qa/39/fr/

back