بعد 11 أيلول/سبتمبر: صعوبة صياغة قانون ضد الإرهاب

This article is not available in English, but the Arabic version is available

بقلم روزلين ليتيرون، بروفسورة القانون العام في جامعة السوربون(2)
ترجمة البروفسور محمد أمين الميداني

تدفع الاحتفالات التي ميزت الذكرى العشرين لاعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 للتساؤل حول تطور القانون خلال هذه الفترة. ولم يختف التهديد الإرهابي في 2021، حيث تم إعداد قانون الطوارئ على عجل عام 2001، والذي اندمج بشكل قوي في الفضاء القانوني. قانون الطوارئ هذا، والذي هو مبدئيا مؤقت، أصبح دائما.

نتج عن 11 أيلول/سبتمبر 2001 رود فعل للدول، والتي وعت بأنها في مواجهة تهديد لا سابق له. وقامت بتطبيق قرارات مجلس الأمن للأمم المتحدة، وبخاصة القرار 1373، تاريخ 28 أيلول/سبتمبر 20013. وزادت ثراء قوانينها الداخلية بأحكام جديدة، وتطور هذا الوضع، وبخاصة بهدف محاربة تمويل الإرهاب أو تطوير وسائل الاتصال ورصد المعلومات.

يمكن أن يبدو في فرنسا، قانون السلامة اليومية، تاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2001، والقانون بخصوص الأمن الداخلي، تاريخ 29 آب/أغسطس 2002، قد صدرا كنتيجة مباشرة لأحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001. لكن الترسانة القانونية للكفاح ضد الإرهاب بدأت صياغتها منذ هجمات عامي 1985 و19864. وأثر بهذا الشكل قانون 30 أيلول/سبتمبر 1986 على المشهد القانوني من خلال أحداث منصب قضاة ضد الإرهاب، وسمح بتعويض الضحايا من صندوق خاص. كما تم التصويت على عدد من القوانين بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001، وكان آخرهم تاريخيا، القانون المسمى بـ "الانفصالية" تاريخ 24 آب/أغسطس 2021، والذي يسهل إغلاق أماكن العبادة وينص على مراقبة الجمعيات، وذلك للتأكيد وبقصد حماية قيم الجمهورية، ولكن أيضا من أجل مكافحة نشر خطاب يمجد الإرهاب.

أصبح قانون الإرهاب، وقبل 2001، مع ملاحظة السعي لمزيد من التعمق فيه، السياق الذي يسعى لتعزيز مجموع النظام القانوني. ويعتمد قيامه على إجراءات طويلة ومن المؤكد بأنه لا نهاية لها.

من قانون للطوارئ إلى سياسية عامة

يتجه التطور التشريعي لمحاربة الإرهاب منذ 11 أيلول/سبتمبر 2011، نحو الخروج من منطق الطوارئ، إلى محاولة الاندماج في القانون العام. فقد أصبحت مكافحة الإرهاب سياسة عامة.

لا تمنع عمليا هذه الاستمرارية من اعتماد تشريعات طوارئ، وعندما تكون الأزمات خاصة خطيرة. وأصل حالة الطوارئ هو قانون 1955 الذي تم التصويت عليه وقتها بسبب نزاع الجزائر، وتم تفعيله مجددا نتيجة هجمات 13 تشرين الثاني/نوفمبر 20155. وتم تجديده لاحقا ست مرات من قبل المشّرع، مما أسفر عن تطبيقه، ومن دون انقطاع، حتى 31 تشرين الأول/أكتوبر 2017. ولم يتم، منذ ذلك التاريخ، اعتماد أي قانون طوارئ في نطاق مكافحة الإرهاب. ونستطيع إذن أن نتساءل عما إذا كان تشريع حالة الطوارئ، تبعا لصفتها المؤقتة، لم يلحق ضررا أخف على الحريات من قانون الإرهاب الذي اندمج مع القانون العام. ويتزايد هذا القلق تبعا لما يبدو من شيوع ظاهرة الإرهاب والتي ينظر إليها على أنها ظاهرة مستدامة.

يفسر هذا الوضع قانون 30 تشرين الأول/أكتوبر 2017 بخصوص "الخروج من حالة الطوارئ". فهو يدمج في القانون العام إجراءات تتعلق بحالة الطوارئ. وتندمج المعطيات التي تم منحها للسلطة التنفيذية بشكل أقوى في القانون الوطني، سواء تعلق ذلك بالحد من حرية التنقل أو الاجتماع، أو أيضا السماح للمحافظين6، بإغلاق أماكن العبادة أو اتخاذ إجراءات فردية للرقابة الإدارية والسهر، هي في نهاية المطاف أكثر قربا للنظام القديم للإقامة الإجبارية والذي يطبق في حالة الطوارئ.

"أثر طارئ" للإرهاب

تتصف قوانين الكفاح ضد الإرهاب بقاسم مشترك يسمح بتدخلات عديدة للسلطات العامة في حريات المواطنين. ويمكن بهذا الشكل النظر إلى الإرهاب على أنه مبرر أو عامل يسمح بتبرير هذه التدخلات. وهذه الظاهرة ليست جديدة وتم تطويرها بفضل التقدم التقني.

تم ذكر تهديد الإرهاب، في بداية أعوام 2000، لتبرير تطوير فيدو الرقابة والمسمى "فيدو الحماية"، تبعا لقانون (لوبيس 2)7، تاريخ 14 آذار/مارس 2011. فالكاميرا التي تتجسس على الحياة الخاصة للمواطن هي المفروض أن تحميه من الإرهاب. وإذا كان صحيحا بأن (الفيدو) سمح في بعض الحالات بالتعرف على المشتبه بهم، لكن فعاليته الوقائية لم يتم تأكيدها. فالإرهابي الانتحاري من شاكلة أولئك الذين قاموا بأعمال 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، لن يشغل بالهم احتمال أن يتم تصويرهم أو التعرف عليهم.

يعرف جمع المعلومات الشخصية الكثيرة اليوم تطورا مشابها، ولكن مع تفضيل المعلومات الإلكترونية على المعلومات التي يجمعها الأشخاص. وسمح قانون 24 تموز/يوليو 2015 برصد مجموعة كبيرة من الاتصالات عبر الأنترنت. ووسع قانون 31 تموز/يوليو 2021 هذه الممارسات لتشمل المعلومات التي تجمعها الأقمار الصناعية، وسمح باللجوء إلى الذكاء الاصطناعي للاستفادة من هذه المعلومات.

أكيد بأن التنصت على الاتصالات ضروري لمكافحة الإرهاب، كما هو الحال بالنسبة للعمليات الإجرامية الكبيرة. ويعتمد القانون على نظام جمع المعلومات، وليس على مراقبة الناس. وليس الهدف حفظ كل المعطيات ولكن متابعة تدفقها، وفي مجموعها، ورصد المعلومات المناسبة لتحديد تهديد الإرهاب. وتسمح الخوارزميات8 بتصفية هذه المعلومات. وصرحت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بحكمها تاريخ 19 حزيران/يونيو 2018، في إحدى القضايا التي عُرضت عليها9، أن الجمع الواسع للمعلومات لا يُعّد انتهاك كبيرا للحياة الخاصة، طالما بأن القانون يسمح بذلك.

ويمكن أن يظهر الإرهاب كنموذج مرشد لممارسات أخرى. كما لا يوجد ضمان مطلق بأن الذكاء الاصطناعي لن يتم استخدامه لأهداف أخرى، للتجسس على المعارضين السياسيين أو لتنافس تجاري. ولا يمكن محاربة هذه الانحرافات إلا بتطوير رقابة يقوم بها قضاة مستقلين.

سيادة القانون

هل يمكن أن نعتبر أن 11 أيلول/سبتمبر 2001 هو أصل واقع تضييق الحريات؟ تُعد المحصلة متأرجحة إذا أخذنا بعين الاعتبار رد فعل القضاة. لقد تأثروا أنفسهم بالصدمة الناتجة عن هجوم بهذا الحجم، لكن سيادة القانون تستعيد بسرعة مكانتها، وبعض الأمثلة يمكن أن توضح هذا التطور.

لم يتردد مجلس الدولة بداية بتوجيه النقد، في قرار اتخذه حول موضوع أولوية الدستور، بتاريخ 10 شباط/فبراير 2017، لمهلة الاستشارة المعتادة لتجريم موقع تسبب بالترويج لأعمال إرهابية أو تمجيد هذه الأعمال. وسبق أن أعلن (نيكولا ساركوزي) هذا التجريم بعد مهاجمة شقة (محمد مراح)10، لكن أرتأى مجلس الدولة، في رأي سابق على قانون 21 كانون الأول/ديسمبر 2012 بأن هذا التجريم "ينتهك حرية التواصل (...) التي يجب النظر إليها على أنها ضرورية، ونسبية، ومتناسبة مع هدف مكافحة الإرهاب". مما تسبب بسحب مشروع القانون، قبل أن تتم العودة إليه في مشروع مؤقت، في شهر كانون الأول/ديسمبر 2015، والذي لم يتم إدراجه أبدا على جدول أعمال البرلمان. يرمز إلغاء نص التجريم من قبل مجلس الدولة عام 2017 إلى فشل المحاولة الثالثة، حيث تم إعادة إدماجها في قانون (فالس)11 تاريخ 3 حزيران/يونيو 2016. وأرتأى مجلس الدول، ومن ناحية الموضوع، بأن هذا التجريم لا يعطي للشرطة أو القضاة أي وسيلة جديدة تسمح بالوقاية من الإرهاب. كان هذا التجريم لا فائدة منه، وهو إذن لا يتطابق مع مبدأ الضرورة في القانون الجنائي.

أمضى مجلس الدولة وقتا طويلا في ممارسة رقابة على التصرفات التي اتخذت في موضوع حالة الطوارئ. ويعطي له مع ذلك إجراء (حرية الإحالة)12 مثل هذه الفرصة. فهل علق إذن قاضي الأوامر المؤقتة، ومنذ 22 كانون الأول/يناير 2016، الحجز على مسكن تم اتخاذه نتيجة "ملاحظة بيضاء" وضعها المخابرات، وهي ملاحظة لا تظهر الانتماء المزعوم لشخص مسلم راديكالي. علق نفس هذا القاضي، وقبل 24 ساعة من نهاية حالة الطوارئ في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2017، الحجز على مسكن، مظهرا بأنه يمارس رقابته حتى آخر يوم من تطبيقها.

وجد القاضي الجزائي ومن تلقاء نفسه الوثائق قانونية تسمح له بالتدخل في هذه الرقابة. وذكرت محكمة النقض، بتوقيت جد مناسب، وفي قرارها بإحدى القضايا13، تاريخ 13 كانون الأول/ديسمبر 2016، بأن للقاضي الجزائي صلاحية تقدير شرعية القرار الحكومي الذي نص على تفتيش له علاقة بموضوع حالة الطوارئ. وتم لاحقا توسع نطاق هذا الاجتهاد ليشمل الرقابة على الإقامة الجبرية تبعا للقرار تاريخ 3 أيار/ماو 2017.

يبدو الكفاح ضد الإرهاب، وبعد انقضاء عشرين عاما على تاريخ 11 أيلول/سبتمبر، قد وصل، في القانون الفرنسي، إلى توازن هش. ولكن هذا لا يمنع من أن خطورة التهديد تستدعي تدخلات تمس الحريات والتي أصبحت جزءا من القانون العام. ولم يعد يعترض البرلمان، الذي يبدو مسالما نسبيا بسبب وجود الأغلبية وغياب وسائل فعلية للرقابة، على هذه التقييدات. ولا يهتم الرأي العام، والذي هو حساس إزاء مواضيع الأمن، بهذا الأمر إلا بشكل قليل. وتبقى الرقابة الفعلية هي رقابة القاضي، والذي يجب أن يكون مستقلا في هذه الحالة عن السلطة التنفيذية. ولا يمكن تصور قانون مكافحة الإرهاب إلا في ظل سلطة قضائية حقيقية.

بقلم روزلين ليتيرون، بروفسورة القانون العام في جامعة السوربون2

ترجمة البروفسور محمد أمين الميداني



مراجع/Bibliographie:

- Projet de loi relatif à la prévention d’actes de terrorisme et au renseignement : faut-il craindre de nouvelles atteintes aux libertés fondamentales ? Par Guillaume Farde, Professeur affilié à l’Ecole d’affaires publiques de Sciences Po.

- Lutte contre le terrorisme et reconnaissance faciale : concilier sécurité de la Nation et respect de la vie privée, par Xavier Bioy, Professeur à l’Université Toulouse 1 Capitole, Institut Maurice Hauriou, Codirecteur du Master «Droit des libertés».



هوامش/Notes:

[1] عنوان المقالة بالفرنسية:

Après 11 septembre : la difficile construction d’un droit de l’antiterrorisme.

انظر:

https://blog.leclubdesjuristes.com/apres-11-septembre-la-difficile-construction-dun-droit-de-lantiterrorisme/?utm_source=sendinblue&utm_campaign=Newsletter%20du%20Club%20des%20juristes%20-%20Vendredi%2022%20octobre%202021&utm_medium=email

نُشرت بتاريخ 22/10/2021، على موقع:

Le Club des jurists. Premier think tank juridique français.

نادي القانونيين. أول (think tank) قانوني فرنسي. انظر:

https://www.leclubdesjuristes.com/qui-sommes-nous/

[2] Roseline Letteron. Professeure de droit public à la Sorbonne Université.

[3] المترجم: يمكن الاطلاع على نص هذا القرار بالعربية على الرابط:

[2001]https://undocs.org/ar/S/RES/1373

[4] المترجم: وقع سلسلة هجمات إرهابية في مدينة باريس عامي 1985 و1986.

[5] المترجم: وقعت، بتاريخ 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، مجموعة من الأعمال الإرهابية في مدينة باريس وضواحيها، قام بها عدد من المنتمين لتنظيم (داعش).

[6] المترجم: المحافظ/Le Préfet، في فرنسا، هو موظف حكومي على رأس المحافظات والأقاليم، يسميه مجلس الوزراء بناء على مرسوم صادر عن رئيس الجمهورية. وقد استحدث نابليون بونابرت هذا المنصب في فرنسا عام 1800.

[7] قانون لوبيس/Loi Loppsi

[8] لا يوجد تعريف جامع شامل لعلم الخوارزمية، ويمكن القول بأنه: "مجموعة من الخطوات الرياضية والمنطقية والمتسلسلة اللازمة لحل مشكلة ما"، انظر:

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AE%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%B2%D9%85%D9%8A%D8%A9

والجدير بالذكر بأن مبتكر هذا العلم هو العالم أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي الذي ولد عام 164هـ/781م، في مدينة خوارزم، جمهورية أوزبكستان حاليا، وتوفي في بغداد عام 232هـ/847م.

[9] المترجم: وهي قضية (Centrum för rättvisa c. Suède).

[10] المترجم: محمد مراح (Mohamed Merah)، اشتبه بارتكابه أعمال إرهابية في مدينتين فرنسيتين عام 2012، وقُتل في شقته من قبل قوات التدخل السريع الفرنسية بتاريخ 22/3/2012.

[11] المترجم: (مانول فالس/Manuel Valls)، كان رئيسا للوزراء في فرنسا أعوام 2014-2016.

[12] (Référé-liberté).

[13] (Hakim X.)

back