انتهاك حقوق الأطفال: تقاعس السلطات الفرنسية عن إعادة الأطفال الفرنسيين إلى فرنسا

This article is not available in English, but the Arabic version is available

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل في 20/11/1989، ودخلت حيز النفاذ في 2/9/1990، وقد صادقت كل الدول العربية على هذه الاتفاقية الدولية.

كما اعتمدت هذه الجمعية ثلاثة بروتوكولات اختيارية مضافة إلى هذه الاتفاقية، وهي:

1- البروتوكول الاختياري الأول المضاف إلى اتفاقية حقوق الطفل والخاص بالنزاعات المسلحة، المعتمد بتاريخ 25/5/2000، والذي دخل حيز النفاذ في 12/2/2002، وقد صادقت، كل الدول العربية على هذا البروتوكول باستثناء: الإمارات العربية المتحدة، وجزر القمر، والسودان، ولبنان، وموريتانيا.

2- البروتوكول الاختياري الثاني المضاف إلى اتفاقية حقوق الطفل والخاص ببيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية، المعتمد بتاريخ 25/5/2000، والذي دخل حيز النفاذ في 18/1/2002، وقد صادقت كل الدول العربية على هذا البروتوكول باستثناء الصومال.

3- البروتوكول الثالث المضاف إلى اتفاقية حقوق الطفل، بشأن تقديم البلاغات، المعتمد بتاريخ 19/1/2011، والذي بدأ العمل به في 14/4/2014، ولم تصادق عليه من الدول العربية إلا دولتين، وهما: تونس، وفلسطين.

بحث الجزء الثاني من الاتفاقية وضع اتفاقية حقوق الطِفل موضع التنفيذ. وتم، لهذا الغرض، إنشاء لجنة تسـمى "اللجنـة المعنية بحقوق الطفل".

وتتألف هذه اللجنة، وتطبيقا للمادة 43 من اتفاقية حقوق الطفل، من 10 خبراء يتم اختيارهم لمدة أربع سنوات، بصفتهم الشخصية من بين مواطني الدول الأطراف في الاتفاقية. وأصبح عدد هؤلاء الخبراء حاليا 18 خبيرا. ويجب أن يكونوا من ذوي المكانة الخلقية الرفيعة والكفاءة المعترف بها في مجال حقوق الطفل. كما يراعى في انتخابهم قاعدة التوزيع الجغرافي العادل، وكذلك تمثيل النظم القانونية الرئيسية. ويوجد حاليا خبيرة من مملكة البحرين عضوا في هذه اللجنة، وتشغل أيضا منصب نائب رئيس اللجنة. وتعقد اللجنة اجتماعاتها، مرة واحدة في السنة، في مقر الأمم المتحدة بجنيف، أو في أي مكان آخر مناسب تختاره.

ونصت المادة 44 من اتفاقية حقوق الطفل على أن "تتعهد الدول الأطراف بأن تقدم إلى اللجنة، عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة، تقارير عن التدابير التي اعتمدتها لإنفاذ الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية وعن التقدم المحرز في التمتع بتلك الحقوق" 1.

وما يهمنا في هذه المقالة هو البروتوكول الاختياري الثالث الملحق باتفاقيَّةِ حقوق الطفل المتعلق بإجراء تقديم البلاغات. حيث يجوز، وحسب أحكام المادة 5 من هذا البروتوكول، لفرد أو مجموعة أفراد يخضعون لولاية دولة طرف فيه يدعون أنهم ضحايا لانتهاك الدولة الطرف لأي حق من الحقوق المنصوص عليها في أي من الصكوك التالية التي تكُون تلك الدولة طرفا فيها أو من ينوب عنهم تقديم البلاغات بخصوص:

1- اتفاقية حقوق الطفل.

2- البروتوكول الاختياري للاتفاقية المتعلق بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة.

3- البروتوكول الاختياري للاتفاقية المتعلق ببيع الأطفال وبغاء الأطفال واستغلال الأطفال في المواد الإباحية.

قامت مجموعة من المواطنين الفرنسيين، وتطبيقا لأحكام المادة 5 من هذا البروتوكول الاختياري الثالث، وكون فرنسا قد صادقت في عام 2016 على هذا البروتوكول، بتقديم بلاغات إلى لجنة حقوق الطفل تتعلق بأوضاع 49 طفلا فرنسيا من أبناء من تعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وأوضح، من تقدم بهذه البلاغات من الفرنسيين، بأن أحفادهم وأبناء أعمامهم وعماتهم، والذين يصادف تواجدهم في مخيمات (الروج، وعين عيسى، والهول) والتي هي تحت سيطرة القوات الكردية، تُنتهك حقوقهم لأن فرنسا لم تعمل على إعادتهم إلى الأراضي الفرنسية 2.


لقد ولد بعض هؤلاء الأطفال في فرنسا، وسافر بعضهم مع والديهم الفرنسين وتنقلوا عندما كانوا من صغار السن. وإذا لم تكن فرنسا مسؤولة عن احتجاز هؤلاء الأطفال في تلك المخيمات، فهي مسؤولة، حسب المراقبين، عن بقائهم فيها وتعرض حياتهم للخطر، ولسوء المعاملة.

وأصدرت لجنة حقوق الطفل قرارها بعد دراسة البلاغات معتبرة أن رفض السلطات الفرنسية لإعادة هؤلاء الأطفال، والذين يتم احتجازهم في المخيمات السورية، إلى فرنسا، يهدد حياتهم ويجعلهم في خطر. وأوضحت بأن هذا الاحتجاز يستمر منذ عدة سنوات، مما يهدد بانتهاك حقهم في الحياة، وتعريضهم لمعاملات غير إنسانية أو مهينة. كما أن عدم إعادتهم لفرنسا، ينتهك، بلا أدنى شك، حماية مصالحهم العليا، بسبب احتجازهم الذي طال أمده في المخيمات والذي لا مبرر له، وهو ما يهدد سلامتهم الشخصية، ويمكن أن يلعب دورا بالتأثير على تصرفاتهم. وطالبت اللجنة السلطات الفرنسية باتخاذ اجراءات عاجلة لضمان إعادة الأطفال بقصد المحافظة على الروابط العائلية لهم. ولم يفت اللجنة لفت نظر السلطات الفرنسية إلى ضرورة اتخاذ إجراءات تساعد على تخفيف معاناة هؤلاء الأطفال، وتساعد على ضمان نموهم بشكل طبيعي خلال تواجدهم في هذه المخيمات، بسبب ما يعانونه من نقص للمياه، والطعام، والرعاية الطبية مما يهدد حياتهم. وذكرت عضوه في لجنة حقوق الطفل بأن 62 طفلا على الأقل توفوا منذ عام 2021 في هذه المخيمات بسبب الظروف الصعبة التي كانوا يعانون منها، مما يوضح خطورة الأوضاع التي يعيشها الأطفال في تلك المخيمات 3.

ويجب أن نذكر بهذه المناسبة أن عدد من أقارب هؤلاء الأطفال عرضوا أوضاعهم عام 2019 على لجنة حقوق الطفل، وكان من نتائجه أن السلطات الفرنسية أعادت 11 طفلا إلى فرنسا. ولكن البقية وعددهم 39 طفلا، ومنهم كانوا بأعمار خمس سنوات، بقوا قيد الاحتجاز في المخيمات في مناطق النزاعات.

لعلها المرة الأولى - وكما عبر عن ذلك أحد من مثل العائلات الفرنسية أمام لجنة حقوق الطفل - التي تؤكد هيئة قانونية دولية رفيعة المستوى بأن فرنسا أخلت بالتزاماتها بحق هؤلاء الأطفال الذين لا يتحملون أي مسؤولية، يضاف إلى أن صغر أعمارهم يبين بأنهم لم يقوموا بارتكاب أي مخالفات.

وتبقى مشكلة الأطفال، من مختلف الجنسيات والأعمار، الذين يتم احتجازهم في العديد من المخيمات من المشكلات الخطيرة والحساسة والملحة التي يجب أن تتصدى لمعالجتها وإيجاد حلول لها مختلف البلدان الأوروبية وغيرها من البلدان، ولعل على البلدان الأوروبية بالذات التزامات وأعباء ومسؤوليات إضافية طالما أنها تدعي حرصها على حماية حقوق الإنسان، وتضع هذا الإنسان، وبغض النظر عن أي تمييز، في صلب اهتماماتها وأولويات مختلف سياساتها.



[1] يمكن الاطلاع على تفاصيل تقديم التقارير إلى لجنة حقوق الطفل في: محمد أمين الميداني، اللجان الدولية لحماية حقوق الإنسان وآلياتها، الطبعة الأولى، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، لبنان، 2017، ص 110 وما بعدها.

[2] انظر صحيفة (اللوموند) الفرنسية، تاريخ الاطلاع 24/2/2022:

https://www.lemonde.fr/international/article/2022/02/24/la-france-accusee-par-un-comite-de-l-onu-d-avoir-viole-les-droits-des-enfants-francais-detenus-en-syrie_6115129_3210.html#xtor=AL-32280270-%5Btwitter%5D-%5Bios%5D

[3] انظر المرجع السابق.

back