لم يطبق القاضي الاختصاص العالمي الفرنسي

This article is not available in English, but the Arabic version is available

لم يطبق القاضي الاختصاص العالمي الفرنسي*

(عدم اختصاص المحاكم الفرنسية لمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في حال عدم تجريمها في قوانين الدول التي ارتكبت هذه الجرائم على أراضيها)

قضية: Cass. Crim., 24 novembre 2021, 21-81.3441

أولا: الوثائق:

المادة 689-11 من قانون الإجراءات الجزائية2

ثانيا: الوقائع:

أسس المجتمع الدولي عام 1998، وبغرض تجنب عدم المعاقبة على جرائم خطيرة، المحكمة الجنائية الدولية والتي تبقى محدودة قانونيا وسياسيا. واختارت بعض الدول، وسعيا لسد هذه الثغرات، أن تمنح سلطات قضائية واسعة أو محدودة تتجاوز الحدود بغرض النظر في جرائم تُنتهك في بلدان أخرى.

ولكن يبقى أن نميز بين الاختصاص العالمي الذي حدده فقهاء معهد القانون الدولي3 بانه: "صلاحية دولة لملاحقة كل مشتبه به ومعاقبته إذا ثبت بأنه مذنب، بغض النظر عن مكان ارتكاب الجرائم دون اعتبار لرابطة الجنسية الفعلية والصورية" (قرار صدر عن المعهد في مدينة كراكوف (بولندا) 2005).

قررت فرنسا، في هذا النطاق، محاكمة مواطن سوري لمشاركته في جرائم ضد الإنسانية ارتكبت في سورية بين مارس/آذار 2011، ونهاية شهر آب/أغسطس 2013. وطالما لا تستطيع فرنسا استخدام الاختصاص الشخصي الإيجابي (المادة 113-6 من القانون الجزائي4)، ولا السلبي (المادة 113-7 من القانون الجزائي5)، فإنها اعتمدت على ما يمكن اعتباره للوهلة الأولى الاختصاص العالمي الذي نصت عليه المادة 689-11 من قانون الأصول الجزائية، ولكن فيما يتعلق بجرائم الإبادة، والجرائم الإنسانية، وجرائم الحرب.

قدم المتهم السيد (س) أمام محكمة النقض طعنا ضد قرار غرفة التحقيق في محكمة التمييز بمدينة باريس وبتاريخ 18/2/2021. وكانت هذه الغرفة قد صرحت بصلاحية القضاء الفرنسي للنظر في القضايا المطروحة، مع ملاحظة بأنه تم استكمال الشروط التي تفرضها المادة 689-11، وهي الإقامة المعتادة للسيد (س) في فرنسا، وغياب ملاحقة من قبل قضاء دولي مختص، وكذلك غياب التجريم المزدوج للأفعال المرتكبة في الدولة التي ارتكبت فيها.

يُعّد الشرط الأول ضروريا إذا ما تمت مقارنته بالاتفاقيات الدولية التي تقتصر على ذكر إقامة عادية للفرد على الأراضي. ويفترض الشرط الثاني المبدأ الجزائي (non bis in idem) أي عدم محاكمة نفس الشخص مرتين على نفس الفعل. ويبدو وجود سوء تفاهم بخصوص شرط التكامل: فلا يعود للدول أن تتأكد من أن أي قضاء دولي لا يلاحق المتهم، ولكن على هذا القضاء أن يتحرى بنفسه هذه الواقعة. فحقيقة الأمر، فإن القاضي الوطني هو قاضي الجرائم الدولية. أما الشرط الثالث فهو عدم ملاحقة شخص على أفعال لم تكن مجرمة في بلده الأصل. وإذا كان هذا الشرط يرمز للسلامة القانونية، فإننا نتأسف على المطالبة به لأنه غير ضروري بالنسبة للجرائم الدولية الخطيرة.

ثالثا: التحليل

كان هذا الشرط الثالث، وهو ازدواجية التجريم6 للأفعال في الدول التي شهدت ارتكابها، هو محور النقاشات في الغرفة الجزائية.

فبحسب من تقدم بالطعن، فإن غرفة التحقيق ارتكبت خطأ قانونيا عندما اعتبرت بأنه تم استيفاء شرط ازدواجية التجريم، في حين أن الجرائم ضد الإنسانية غير مجرمة صراحة في القانون السوري.

وقدرت هذه الغرفة، ومن باب القياس، بانه إذا لم يكن القانون السوري يجّرم بشكل مستقل الجرائم ضد الإنسانية، فإن تجريمه للجرائم التي يشملها هذا المصطلح يعادل تجريمه للجرائم ضد الإنسانية.

لقد نصت المادة (6-ج) من نظام محكمة نورمبروغ7، على مفهوم الجرائم ضد الإنسانية، وتم لاحقا استخدامه من قبل مختلف المحاكم الجنائية الدولية.

ويتعلق هذا المفهوم اليوم بكل جريمة نصت عليها المادة 7 من نظام روما، سواء ارتكبت في نطاق هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد المدنيين. وظهر هذا المفهوم في القانون الفرنسي بفضل قانون 26/12/1964، والذي تنص عليه اليوم المادة 212-18 من القانون الجزائي.

أوضح أيضا السيد (س)، بأنه استفاد، في زمن الأحداث، من حصانة قضائية بخصوص الجرائم التي وقعت في أثناء ممارسته لمهامه.

وختم المدعي بأن الغرفة ارتكبت خطأ آخر لأنها لم تتحقق فيما إذا كان طلب المدعي العام بالتأكد فيما إذا كان هناك أم لا ملاحقة من قبل هيئة قضائية دولية.

ركّزت الغرفة الجزائية في محكمة النقض، في حكمها تاريخ 24/11/2021، على الفرع الأول من ادعاءات المدعي. وقبلت بدفوعه، وبررت ذلك بأن القانون السوري يعاقب بشكل فردي على مختلف الجرائم التي تشكل الجرائم ضد الإنسانية. ويتطلب بالفعل القانون الفرنسي في المادة 212-1 بأن تكون هذه الجرائم قد "تم ارتكابها في خطة متفق عليها".

مما يعني بأن ازدواجية التجريم التي نصت عليها المادة 688-11 من قانون الإجراءات الجنائية تتطلب أن يأخذ بعين الاعتبار تشريع الدولة التي تم ارتكاب هذه الجرائم فيها وهو العنصر المكون للاتفاق في مجال ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية، وهو ما لا ينص عليه التشريع السوري.

نقضت إذن الغرفة الجنائية حكم غرفة التحقيق في محكمة الاستئناف في باريس من دون دارسة العوامل الأخرى، لأن شرط ازدواجية التجريم والذي نصت عليها المادة 688-11 من قانون أصول الإجراءات الجزائية، والذي يسمح بالمحاكمة، لم يتم استيفائه.

مما يعني بأن فرنسا غير مختصة لمحاكمة السيد (س) عن الجرائم التي وقعت خارج أراضيها. ولا يمكن محاكمة هذا الشخص عن جرائم متهم بها طوال إقامته في فرنسا.

رابعا: الأهمية:

يأتي هذا القرار بعد مضي عامين على تعديل المادة 688-11 من القانون الجزائي، والذي لا يعتبر، وهنا بيت القصيد، بأن قضايا قليلة تتعلق به. تم هذا التعديل بمقتضى قانون 23/3/2019، وكان الفقه ينتظره وبشكل يسمح فيه المشرع بفتح آلية الولاية القضائية بشكل عابر للحدود.

وإذا لم يكن متوقعا أن تفسح فرنسا مجالا للاختصاص القضائي بشكل عالمي، وتجنبا للوضع في بلجيكا (والذي أفسح المجال بشكل واسع للاختصاص العالمي، والذي لا يعير اهتماما للحصانات الدبلوماسية، وتم التخلي عن هذا الاختصاص نتيجة الضغوط العالمية)، كنا نأمل بإمكانية لتطبيق هذا الاختصاص قانونيا، سعيا بألا يتم الإفلات من المعاقبة على الجرائم الخطيرة.

وكما كتبت (دلفين براش-تيل)9، بخصوص تعليقها على المادة 688-11 "للدبلوماسية أسبابها التي يجهلها القانون"، و"اليوم لا توجد صلاحية عالمية حقيقية في مجال الجرائم ضد الإنسانية"10. بقي المشّرع حذرا جدا في حفاظه على شروط قبول المادة بشكل ضيق، كما تأسف لذلك مجموعة الشيوخ11 التي كافحت ضد: "هذه الشروط الثلاثة التي تشكل قيودا مما يجعل صعبا علميا تنفيذ هذه الشروط" (تعديل تم طرحه ضد المادة 42 من مشروع قانون 23/3/2019).

بقى إذن الأمل بأن نرى الاجتهادات تفسر بشكل واسع الشروط التي وضعتها المادة، بهدف تسهيل تطبيقها. ولكن لم يحدث ذلك، وعاقبت الغرفة الجنائية محاولة التخفيف التي سعت إليها غرفة التحقيق في محكمة التمييز في باريس، من خلال نقضها لقرارها. ولم تحسم هذه الأخيرة الشرطين الأخيرين التي وضعتهما هذه المادة، ونقصد الإقامة المعتادة في فرنسا للشخص، وكذلك سعي النيابة العامة لعدم الملاحقة على نفس الأفعال من قبل قضاء دولي مختص. ويبدو إذن التفسير الواسع للمادة من قبل غرفة التحقيق معقولا، ولكنه مبالغ فيه من قبل محكمة النقض.

يمكن أن نتأسف لهذا القرار، والذي لم يسمح بمحاكمة المسؤولين عن الجرائم الدولية الخطيرة في فرنسا، ولكن نتفهمه أيضا لأنه يحترم رغبة المشّرع. ويجب بهذا الشكل، التوسع في الصلاحية الفرنسية العابرة للحدود، وسيتم ذلك بفعل المشّرع وليس القاضي.

*Le juge n’ouvre pas la compétence universelle française



[1] نُشرت هذه المقالة على موقع المعهد الدولي لحقوق الإنسان والسلام، تاريخ 26/01/2022. انظر الرابط:

https://2idhp.eu/point-de-vue/point-de-vue-le-juge-nouvre-pas-la-competence-universelle-francaise/

[2]Article 689-11. Version en vigueur depuis le 01 janvier 2020

« Modifié par LOI n°2019-222 du 23 mars 2019 - art. 63 (V)

Hors les cas prévus au sous-titre Ier du titre Ier du livre IV pour l'application de la convention portant statut de la Cour pénale internationale, ouverte à la signature à Rome le 18 juillet 1998, peut être poursuivie et jugée par les juridictions françaises, si elle réside habituellement sur le territoire de la République, toute personne soupçonnée d'avoir commis à l'étranger l'une des infractions suivantes :

1- Le crime de génocide défini au chapitre Ier du sous-titre Ier du titre Ier du livre II du code pénal ;

2- Les autres crimes contre l'humanité définis au chapitre II du même sous-titre Ier, si les faits sont punis par la législation de l'Etat où ils ont été commis ou si cet Etat ou l'Etat dont la personne soupçonnée a la nationalité est partie à la convention précitée ;

3- Les crimes et les délits de guerre définis aux articles 461-1 à 461-31 du même code, si les faits sont punis par la législation de l'Etat où ils ont été commis ou si cet Etat ou l'Etat dont la personne soupçonnée a la nationalité est partie à la convention précitée.

La poursuite de ces crimes ne peut être exercée qu'à la requête du procureur de la république antiterroriste et si aucune juridiction internationale ou nationale ne demande la remise ou l'extradition de la personne. A cette fin, le ministère public s'assure de l'absence de poursuite diligentée par la Cour pénale internationale et vérifie qu'aucune autre juridiction internationale compétente pour juger la personne n'a demandé sa remise et qu'aucun autre Etat n'a demandé son extradition. Lorsque, en application de l'article 40-3 du présent code, le procureur général près la cour d'appel de Paris est saisie d'un recours contre une décision de classement sans suite prise par le procureur de la République antiterroriste, il entend la personne qui a dénoncé les faits si celle-ci en fait la demande. S'il estime le recours infondé, il en informe l'intéressé par une décision écrite motivée ».

[3] تأسس معهد القانون الدولي عام 1873 بمدينة (غان/Gand) بلجيكا. ويدعم المعهد جهود استئصال النزاعات، ويسعى لتقنين القانون الدولي العام، وتعزيز حقوق الإنسان. وحصل المعهد على جائزة نوبل للسلام عام 1904. ويضم هذا المعهد العديد من القانونين من البلدان العربية: من بينهم ثلاثة من الجزائر: الدكتور محمد بدجاوي، والدكتور محمد محيو، والدكتور فاتسا أورغوز. وأثنان من لبنان: الدكتورة لينا غناجه، والدكتور إبراهيم فضل الله. وواحد من مصر: الدكتور جورج أبي صعب. وواحد من المغرب: الدكتور محمد بنونه. وواحد من تونس: الدكتور علي ميزغاني. مترجم المقالة: انظر موقع المعهد على الرابط:

https://www.idi-iil.org/fr/

[4] تنص المادة 113-6 من القانون الجزائي الفرنسي على ما يلي:

« La loi pénal française est applicable à tout crime commis par un Français hors du territoire de la République.

Elle est applicable aux délits commis par des Français hors du territoire de la République si les faits sont punis par la législation du pays où ils ont été commis ».

[5] تنص المادة 113-7 من القانون الجزائي الفرنسي على ما يلي:

« La loi pénal français est applicable à tout crime, ainsi qu’à tout délit puni d’emprisonnement, commis par un Français ou par un étranger hors du territoire de la République lorsque la victime est de nationalité française au moment de l’infraction ».

[6] المقصود: تجريم نفس الأفعال في القانون الفرنسي وتجريمها في دولة الجاني. توضيح من المترجم.

[7] انظر بخصوص محكمة نورمبورغ، محمد أمين الميداني، مدخل إلى الحماية الدولية لحقوق الإنسان، الطبعة الأولى، منشورات الأكاديمية الدولية لحقوق الإنسان، بيروت، والمركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، ستراسبورغ، 2021، ص 82.

[8] تنص المادة 212-1 من القانون الجزائي الفرنسي على ما يلي:

Article 212-1. Version en vigueur depuis le 07 août 2013

« Constitue également un crime contre l'humanité et est puni de la réclusion criminelle à perpétuité l'un des actes ci-après commis en exécution d'un plan concerté à l'encontre d'un groupe de population civile dans le cadre d'une attaque généralisée ou systématique :

1- L'atteinte volontaire à la vie ;

2- L'extermination ;

3- La réduction en esclavage ;

4- La déportation ou le transfert forcé de population ;

5- L'emprisonnement ou toute autre forme de privation grave de liberté physique en violation des dispositions fondamentales du droit international ;

6- La torture ;

7- Le viol, la prostitution forcée, la grossesse forcée, la stérilisation forcée ou toute autre forme de violence sexuelle de gravité comparable ;

8- La persécution de tout groupe ou de toute collectivité identifiable pour des motifs d'ordre politique, racial, national, ethnique, culturel, religieux ou sexiste ou en fonction d'autres critères universellement reconnus comme inadmissibles en droit international ;

9- La disparition forcée ;

10- Les actes de ségrégation commis dans le cadre d'un régime institutionnalisé d'oppression systématique et de domination d'un groupe racial sur tout autre groupe racial ou tous autres groupes raciaux et dans l'intention de maintenir ce régime ;

11- Les autres actes inhumains de caractère analogue causant intentionnellement de grandes souffrances ou des atteintes graves à l'intégrité physique ou psychique ».

[9] Delphine Brach-Thiel

[10] AJ Pénal 2019, p.195

[11] مجلس الشيوخ الفرنسي، هيئة تشريعية ثانية إلى جانب الجمعية الوطنية وهو ما يشكل بهاتين الهيئتين (البرلمان) في النظام الدستوري الفرنسي. توضيح من مترجم المقالة.

back