ولكن في أي مجال تم اتخاذ هذا الأمر؟
المجال الأساس واضح: الحرب. فمنذ الهجوم الذي قام به الفرع العسكري لحماس في إسرائيل بتاريخ 7 أكتوبر/تشرين الثاني المنصرم، فإن النزاع مستمر. ولكن نلاحظ اتجاه، في السنوات الأخيرة، لمحاولة اللجوء للقضاء في النزاعات أمام المؤسسات الدولية.
وهذا بالطبع ليس جديدا، ونعطي مثالا يتعلق بقضية تطبيق الاتفاقية الدولية لمنع جميع أشكال التمييز العنصري 4 (جورجيا ضد الاتحاد الروسي) التي قُدمت في عام 2008، ولكن هذه الظاهرة تتفاقم.
تميل الدول المعتدى عليها أو ضحية انتهاكات خطيرة للقانون الدولي أكثر فأكثر للتوجه بسرعة لمحكمة العدل الدولية، بغرض التعريف بشكل واسع بأوضاعها، والحصول على تعاطف المجتمع الدولي، وكذلك الرأي العام. وخير مثال: القضية التي رفعتها أوكرانيا أمام المحكمة لمحاولة التعريف بالاعتداء الروسي في شهر شباط/فبراير 2022 وانتهاك اتفاقية منع الإبادة لعام 1948. وأثارت هذه القضية ضجة كبيرة ودفعت بأكثر من ثلاثين دولة للتدخل أمام المحكمة وتقديم ملاحظاتهم.
استخدام المحكمة كأداة - من دون أن يتم توظيف هذه الكلمة كنوع من التحقير أو التحليل - يبدو اليوم أكثر فائدة من الأمس كاستراتيجية حرب قانونية: وفي مقابل الحرب على الأرض، تشن الدول حربا دبلوماسية وإعلامية تتطلب توظيف أدوات القانون الدولي. وتوضح هذه الاستراتيجية أيضا التهدد الذي يمكن أن تشكله أوامر التدابير المؤقتة، والتي هي تدابير تسعى "لتجميد" النزاع بانتظار أن تتخذ المحكمة قرارها في موضوع النزاع. وهذا كان حال أكثر من نصف الأوامر بالتدابير المؤقتة التي أصدرتها المحكمة في خلال الخمسة عشر سنة الماضية، مع زيادة واضحة فيها. وخير مثال على ذلك ما اتخذته المحكمة في موضوع النزاع بين أرمينا وأذربيجان، حيث أصدرت ثمانية أوامر بتدابير مؤقتة أو أوامر بتعديل هذه الأوامر.
في هذا الوضع الذي تنظر فيه الآن المحكمة، فإنه لا يُعّد نزاعا بين إسرائيل وطرف آخر في الحرب نقصد حماس لأن هذه الأخيرة ليست دولة، ولا يمكن لها أن تلجأ إلى المحكمة. فجنوب أفريقيا هي التي لجأت إلى خمسة عشر قاضيا في لاهاي، في منطق آخر يمكن أن نصفه بأنه "أنسنة القانون الدولي"، روج له وقتها القاضي كونسادوا ترينداد 5 (أ. أ. كونسادوا ترينداد، نحو قانون عام جديد للبشرية، الطبعة الثانية، لايد/لاهاي، نيجهوف/أكاديمية القانون الدولي، لاهاي، 2013 6)، وفي العديد من أراءه المنفردة، وعلى سبيل المثال في قضية جداهاف 7، يضاف إليها بلا شك رغبة متزايدة لدول "الجنوب" لاتخاذ موقف الضامن للنظام الدولي العام الذي تم التلاعب به، في نطاق الخلافات الدولية، من قبل الدول الغربية. ويتعلق ذلك بقضية غامبيا ضد مانيمار، وكندا والأرض الواطئة (هولندا) (وكلاهما بالطبع من الدول الغربية) ضد سورية أو جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، والمنطق هو نفسه: الدول "وهي غير الدول المتضررة" (حسب مصطلح المادة 48 من مواد لجنة القانون الدولي 8 بخصوص المسؤولية عن الأفعال الدولية غير الشرعية) والتي رفعت أمام المحكمة والمتعلقة بموضوع مخالفة الالتزامات التي يطالب بها المجتمع الدولي في مجموعه من خلال تصرفات تبدو لهم مخالفة للمعايير الأساسية للقانون الدولي - مثل منع التعذيب والإبادة. وتصطدم مع ذلك هذه الخطوة بالواقع التقني للقانون الخاص بقبول الشكاوى، والذي لا ينص على عمل شعبي. بمعنى آخر، ومن المستحيل الدفع، أمام المحكمة، بكل انتهاك للقانون الدولي وحتى لو كان خطيرا باسم مصالح المجتمع الدولي.
وبينت المحكمة بشكل واضح في قضية جنوب شرق أفريقيا عام 1966، وكذلك في قضية بارشلونا تراكشن 9، في عام 1970، بأن المجال أصبح مفتوحا لاستغلاله من قبل الدول المشتكية في قضايا حديثة. وتحكم المحكمة اليوم، ومن خلال اجتهادات حديثة، بأن الالتزامات التي تتضمنها بعض الاتفاقيات المتعددة الأطراف هي ملزمة للجميع 10: فمن المصلحة القانونية لكل الدول الأطراف في اتفاقية 1948 ضد الإبادة، ومن بينها إسرائيل وجنوب أفريقيا، أن يتم احترامها، وبالتالي في حال نزاع، أن يتم اللجوء إلى المحكمة.
وعليه "يكون من المصلحة العامة أن يتم احترام الالتزامات المناسبة التي تنص عليها الاتفاقية بخصوص الإبادة، وأن من حق كل دولة طرف، ومن دون تمييز، أن تدفع بمسؤولية دولة أخرى في حال عدم انتهاك الالتزامات المفروضة على الجميع" (شرح الأمر، الفقرة 33).
هل يمكن القول بأن الأمر برر تدخل إسرائيل، أو على العكس وافق ما ذهبت إليه جنوب أفريقيا؟
لا ترجيح، حتى هذه اللحظة، لإحدى الفرضيتين، علما بأن الأمر يرجح إجمالا ما ذهبت إليه جنوب أفريقيا. ويجب التذكير بأن التدابير المؤقتة هي إلزامية - وأقرت المحكمة ذلك في عام 2001 - ولكنها تبقى مؤقتة: وحتى هذه المرحلة، لا تقوم المحكمة إلا برقابة "مبدئية" لاختصاصها وبصفة "معقولة" للحقوق التي تم التطرق إليها، وقبل أن تقدر من ناحية العلاقة بين الإجراءات المطلوبة والحقوق المزعومة، ومن ناحية أخرى، الضرورة - أي خطورة حدوث ضرر لا يجبر فيما يخص الحقوق المدعى بها قبل أن تفصل المحكمة في الموضوع. وقدمت جنوب أفريقيا في هذا الخصوص تسعة طلبات، يطلب أولها من المحكمة أن تفصل فيما إذا كان على "دولة إسرائيل أن تعلق فورا عملياتها العسكرية ضد غزة". ولا يتمتع هذا الطلب الأول، وعلى الرغم من التغطية الإعلامية، بأي فرصة إيجابية في لاهاي.
يتطلب من ناحية، مثل هذا الإجراء، وقف إطلاق النار، الذي يجب أن يتم بين طرفين؛ ولكن إسرائيل هي الطرف الوحيد أمام المحكمة. ويتجاوز بشكل كبير هذا السؤال، من ناحية ثانية، وظاهريا اختصاص المحكمة: وتنص موضوعيا اتفاقية منع الإبادة على هذا الاختصاص، ولا يمكن للمحكمة أن تفصل فيما يتعلق بمعرفة ما إذا كان النزاع المعروض عليها أدى أو لا إلى انتهاك هذه الاتفاقية. وعلى عكس القضية بين أوكرانيا وروسيا والمتعلقة بنفس الاتفاقية، والتي تطلبت اتخاذ إجراء بوقف العملية الروسية، فإن جنوب أفريقيا لم تشر إلى أن الرد الإسرائيلي يعتمد على تفسير خاطئ لاتفاقية منع الإبادة لعام 1948. يوجد إذن اختلاف بين كلا القضيتين، وكلا المبررين، ومن الصعب في مجال القانون، أن نستنتج من أمر 26 كانون الثاني/يناير بأنه يضفي الشرعية على التدخل الإسرائيلي: فلم يتم ببساطة طرح هذا السؤال على المحكمة.
بمعنى آخر، قامت المحكمة بما تستطيع القيام به آخذه بعين الاعتبار الطلب والظروف، وطالبت باحترام كامل للحقوق التي عرضت عليها، والمحافظة على الأدلة. وذهبت المحكمة بعيدا، وبداية بمطالبة إسرائيل "ومن دون مهملة بإجراءات فعلية تسمح بتقديم خدمات أساسية ومساعدة إنسانية مطلوبة باستعجال بقصد تخفيف صعوبات الحياة التي يعيشها الفلسطينيين في قطاع غزة" (الإجراء الرابع)، وهو ما يبدو بأنه تجاوز نطاق اتفاقية منع الإبادة.
وتبعا لذلك، فإن الطلب من إسرائيل تقديم تقرير في غضون شهر إلى المحكمة فيما يتعلق بتطبيق التدابير المؤقتة، وهو بلا شك سابقة (وقامت بذلك في الأمر المتعلق بغامبيا ضد مانيمار) ولكن يبقى نادرا (لقد رفضته في قضية كندا وهولندا ضد سورية).
وأخيرا فإن إضافة مكررة في الحكم أخرجها من تحفظها المعتاد: "ترى المحكمة من الضروري أن تشير إلى التزام كل أطراف النزاع في قطاع غزة بالقانون الدولي الإنساني. وأنها قلقة بشدة على مصير الأشخاص الذين تم اختطافهم خلال الهجوم على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، واحتجازهم من وقتها من قبل حماس ومجموعات مسلحة أخرى، وتطالب بالأفراج الفوري وغير المشروط عن الرهائن" (فقرة 85).
ويجب الإشارة أخيرا، وفي نفس المجال، إلى شبه إجماع القضاة فيما يتعلق بهذا الأمر. ومع أن الأمر حساس دبلوماسيا، ولكن تم التصويت على التدابير بأربعة عشر صوتا من أصل خمسة عشر صوتا من القضاة الدائمين، ومن بينهم رئيسة المحكمة ذات الجنسية الأمريكية. وصوتت وحدها القاضية الأوغندية ضد مجموع هذه التدابير معتبرة بأن النزاع سياسي بحت، وليس للمحكمة أن تنظر فيه. ومن الملاحظ بهذا الخصوص بأن القاضي المؤقت الذي عينته إسرائيل، وبسبب عدم وجود قاض إسرائيلي دائم في المحكمة، قد صوت لصالح عدة تدابير، ومن بينها تلك المتعلقة بالمساعدة الإنسانية المستعجلة.
ما هي النتائج المحتملة لهذا الأمر؟
إن الأوامر ملزمة ولكن يصعب تنفيذها: لا تملك المحكمة قوة عامة وعليها أن تعتمد على تعاون الأطراف. وسيكون غير واقعي التفكير بأن الأمر يمكن أن يوقف النزاع: فوضع الحرب ليس للأسف، ليس وضع احترام القانون الذي لا يمكنه إلا اقتراح وضع إطار، ولاحقا الفصل في مسؤولية كل الأطراف. ونقل على الأقل، الأمين العام للأمم المتحدة وبشكل رسمي الأمر إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة بغرض المتابعة، وهنا أيضا يوجد احتمال كبير، وتبعا لتشكيلته، بألا يتخذ قرارا من قبل هذه الهيئة المكلفة بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
وممكن، مع ذلك، أن تقبل إسرائيل عموما بالأمر، علما بأن تقريرها منتظر خلال شهر. وسيكون غير مرحب به، من وجهة نظر دبلوماسية وبالتالي لضرورة دعم جزءا من المجتمع الدولي، ألا تقوم إسرائيل بتقديم تقريرها والذي يجب أن ترسله لجنوب أفريقيا لأبداء ملاحظات عليه. والسؤال الأساس هو معرفة ما إذا كانت ستقدم المحكمة تصريحا بعد تقديم التقرير، وفي حال مخالفة الأمر، ستستخلص النتائج. ولم تقم المحكمة، حتى الآن، باستخلاص أي نتائج تتعلق بانتهاك تدبير مؤقت، ولكنها عدلت مؤخرا، بحكمها تاريخ 31 كانون الثاني/يناير 2024، موقفها مقرة بالمسؤولية الدولية لروسيا بخصوص انتهاك تدبير مؤقت عام 2017. ويبقى المجال مفتوحا مع ذلك، للمعاقبة من قبل المحكمة وبشكل صحيح في حال حصول مثل هذا الانتهاك مستقبلا.
[1] عنوان المقال بالفرنسية:
"Afrique du Sud contre Israël : retour sur l’ordonnance de la Cour internationale de justice".
نُشر على موقع: نادي القانونيين، بتاريخ 6/2/2024:
Club des juristes :
https://www.leclubdesjuristes.com/international/procedure-consultative-4590/
[2] اسم الكاتب:
رافائيل مورل، أستاذ مشارك في القانون العام في جامعة بورغنيون، فرنسا، وعضو مركز البحث حول قانون الأسواق والاستثمار الدولي في جامعة ديجون بفرنسا، وعضو القانون الدولي في جامعة نانتير، فرنسا.
Raphaël Maurel, Maître de conférences en droit public à l’Université de Bourgogne, membre du CREDIMI et membre associé au CEDIN.
[3] رئيس المركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، ستراسبورغ، فرنسا.
[4] انظر، محمد أمين الميداني، "تقديم اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وآليتها"، مجلة (مساواة)، المملكة العربية السعودية، العدد 8، حزيران/يونيو، 2009، ص 9-11.
[5] اسم القاضي: Cançado Trindade
أتيحت الفرصة لي، وفي العقدين الأخيرين من القرن الفائت، لقاء البروفيسور كونسادوا ترينداد في مدينة ستراسبورغ، ومناقشة عدة مواضيع قانونية معه. وكان أن توفي في عام 2022، وكان برازيلي الجنسية (المترجم).
[6] العنوان الأصلي للكتاب:
A. A. Cançado Trindade, International Law for Humankind - Towards a New Jus Gentium, 2e éd., Leyde/La Haye, Nijhoff/Académie de droit international de La Haye, 2013.
[7] اسم القضية: Jadhav. انظر هذه القضية (الهند ضد باكستان)، بالعربية في تقرير محكمة العدل الدولية، 1 آب/أغسطس 2016 - 31 تموز /يوليو 2017 (المترجم)، على الرابط:
https://www.icj-cij.org/sites/default/files/annual-reports/2016-2017-ar.pdf
[8] لجنة القانون الدولي هي لجنة من بين ست لجان تابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة (المترجم)، انظر:
https://www.un.org/ar/ga/sixth/
[9] قضية (المترجم):
Barcelona Traction
[10] مصطلح (المترجم):
erga omnes partes