سنقدم بداية لمحة تاريخية عن إنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (الفرع الأول)، ونتعرف بعدها على بعض خصائص هذه المؤسسات الوطنية ومعاييرها (الفرع الثاني)، ونبيّن أخيرا دواعي إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان في سورية (الفرع الثالث).
الفرع الأول
لمحة تاريخية عن إنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان
يسعى المجتمع الدولي لإتاحة المجال لمختلف المكونات في العديد من البلدان للعب دورها بقصد تعزيز حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في مختلف المجالات والأصعدة. فنجد إلى جانب المجتمع المدني وعناصره 2، المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.
سنعود بداية إلى فكرة تأسيس المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان من خلال مؤتمر باريس وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1993 (أولا)، ونعطي بعدها أمثلة عن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في البلدان العربية (ثانيا).
أولا: مبادئ باريس وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993
رحبت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبخصوص مبادرة إنشاء مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان، بمبادئ باريس التي تم اعتمادها في حلقة عمل دولية بشأن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، عُقدت في العاصمة الفرنسية عام 1991، وأرفقتها بقرارها رقم 48/134 لعام 1993 3.
وأوضحت المفوضية السامية لحقوق الإنسان، من جهتها، بأن "المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تمولها الدولة ولكنها مستقلة عنها: هذه المؤسسات ليست منظمات غير حكومية ولكنها تعمل بمثابة "جسر" بين المجتمعات المدنية والحكومات. وهي معروفة بأسماء مختلفة في بلدان مختلفة، فقد تُسمى، على سبيل المثال، مفوضية أو لجنة أو مجلس حقوق الإنسان أو مؤسسة أمين المظالم أو الدفاع العام أو التوفيق أو الدفاع عن مصالح الشعب" 4.
ونستطيع القول تبعا لذلك بأن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان هي: هيئات رسمية لها ولاية دستورية و/أو تشريعية محددة بشكل واضح بقصد حماية حقوق الإنسان وتعزيزها. وهي جزء من جهاز الدولة وتقوم الدولة بتمويلها 5. ويجب أن يتطابق عمل هذه المؤسسات مع مبادئ باريس لعام 1993، وأن يتم الاعتماد على هذه المبادئ، وتعمل هذه المؤسسات "بمثابة آليات مواصلة بين المعايير الدولية لحقوق الإنسان والدولة" 6.
ثانيا: المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في البلدان العربية
وأنشأت العديد من البلدان العربية مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان، وتختلف تسمية هذه المؤسسات من بلد عربي إلى آخر. ويبلغ حاليا عدد هذه المؤسسات العربية 16 مؤسسة، وهي حسب الترتيب الأبجدي 7:
1- المركز الوطني لحقوق الإنسان، الأردن.
2- المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، البحرين.
3- الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، تونس.
4- المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الجزائر.
5- اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان والحريات، جزر القمر.
6- اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، جيبوتي.
7- اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، سلطنة عُمان.
8- المفوضية القومية لحقوق الإنسان، السودان.
9- المفوضية العليا لحقوق الإنسان، العراق.
10- الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، فلسطين.
11- اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، قطر.
12- الديوان الوطني لحقوق الإنسان، الكويت.
13- المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان، ليبيا.
14- المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المغرب.
15- المجلس القومي لحقوق الإنسان، مصر.
16- اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، موريتانيا.
وقامت هذه المؤسسات والمركز واللجان بتأسيس الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان لتبادل الخبرات والمعلومات، وللتنسيق فيما بينها. ويقع مقر هذه الشبكة في العاصمة القطرية الدوحة 8.
الفرع الثاني
بعض خصائص ومعايير المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وأدوارها
سنتعرف بداية على خصائص ومعايير المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومعاييرها (أولا)، ونتطرق بعدها لأدوار هذه المؤسسات الوطنية (ثانيا).
أولا: خصائص المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومعاييرها
يمكن أن نجمل هذه الخصائص والمعايير على الشكل التالي:
1- لا تخضع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان للسلطات الوطنية الثلاث (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية)، ولكنها تبقى مسؤولة أمام السلطة التشريعية بشكل مباشر أو غير مباشر.
2- تُعّد المؤسسات الوطنية جزءا من هيكل الدولة التي تأسسها. فيكون قيامها على أساس قانوني يعزز وجودها ويبين الإجراءات التي تتبعها. ويمكن أن يكون أساس قيامها دستوريا أو تشريعيا أو كيلاهما.
3- إذا كانت الحكومات تمول المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بشكل مباشر أو غير مباشر، فإنها لا تعتبر مقربة منها وتابعة لها.
4- لا يتم انتخاب أعضاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ولكن يتم تعينهم، ويشارك أحيانا ممثلين منتخبين في هذا التعيين.
5- ينتج عن تصنيف أي مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان كهيئة عامة مجموعة من الآثار "فيما يتعلق بتنظيم مساءلتها وتمويلها وتقديم تقاريرها" 9.
6- يجب أن تتمتع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بالحياد، ولا أن تنحاز لجانب دون آخر في مجالات بحثها عن الحقيقة.
7- يجب التمييز بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية. فهذه المؤسسات تتمتع بالاستقلالية تجاه هذه المنظمات، من ناحية، وتجاه الحكومات من ناحية ثانية.
8- يجب أن تمتثل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان للمبادئ العامة للعدالة وسيادة القانون.
9- يجب أن تسعى المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان لمد الجسور بين الحكومات التي أنشأتها ومختلف مكونات المجتمع المدني.
10- يدخل في نطاق عمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان توجيه انتقادات للحكومات التي أنشأتها ومولتها، من خلال تلقيها للشكاوى المقدمة ضد هذه الحكومات 10.
ثانيا: أدوار المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان
يمكن أن نجمل مختلف أدوار المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ونذكر من بينها:
1- تعزيز مسائل حقوق الإنسان.
2- التركيز على حماية سيادة القانون، وإقامة العدل ومكافحة الإفلات من العقاب.
3- إسداء المشورة للحكومات والبرلمانات ومختلف سلطات الدولة.
4- التعاون والتنسيق مع بقية المؤسسات الناشطة في مجال حقوق الإنسان.
5- تعزيز حقوق جماعات معينة وحمايتها مثل: المدافعون عن حقوق الإنسان، والأقليات على اختلاف أنواعها، والأشخاص ذوي الإعاقة.
6- تعزيز الوعي والتطبيق للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
7- معالجة القضايا الناتجة عن حالات النزاع وما بعد النزاع، ولا شك بأن هذه القضايا كثيرة ومتعددة اليوم في سورية ويمكن للمؤسسة الوطنية السورية لحقوق الإنسان أن تلعب دورا هاما في هذه المعالجة 11.
الفرع الثالث
دواعي إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان في سورية
يوجد عدد من الدواعي التي يجب مراعاتها وأخذها بعين الاعتبار بغرض إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان في سورية، ومن بينها احترام سورية لالتزاماتها الدولية (أولا)، والمساهمة في العدالة الانتقالية (ثانيا)، وأخيرا التشاور بقصد إعداد مختلف التقارير الخاصة بالآليات الدولية والإقليمية لحماية حقوق الإنسان (ثالثا).
أولا: احترام سورية لالتزاماتها الدولية
لقد صادقت سورية على العديد من الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان وعدد من البروتوكولات المضافة إليها. وينتج هذه المصادقة الالتزام بمضمون هذه الاتفاقيات وما نصت عليه.
يمكن أن نضرب مثالا يتعلق بالحاجة لإنشاء مؤسسة وطنية تبعا لما نصت المادة 33 وعنوانها: التنفيذ والرصد على الصعيد الوطني، من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 13/12/2006، ودخلت حيز النفاذ في 3/5/2008، والتي صادقت عليها سورية في 10/7/2009. وتنص هذه المادة على ما يلي:
"1- تعيِّن الدول الأطراف، وفقا لنهجها التنظيمية، جهة تنسيق واحدة أو أكثر داخل الحكومة تُعنى بالمسائل المتصلة بتنفيذ هذه الاتفاقية، وتولي الاعتبار الواجب لمسألة إنشاء أو تعيين آلية تنسيق داخل الحكومة لتيسير الأعمال ذات الصلة في مختلف القطاعات وعلى مختلف المستويات.
2- تقوم الدول الأطراف، وفقا لنظمها القانونية والإدارية، بتشكيل أو تعزيز أو تعيين أو إنشاء إطار عمل داخل الدولة الطرف، بما في ذلك آلية مستقلة واحدة أو أكثر، حسب الاقتضاء، لتعزيز هذه الاتفاقية وحمايتها ورصد تنفيذها. وتأخذ الدول الأطراف بعين الاعتبار، عند تعيين أو إنشاء مثل هذه الآلية، المبادئ المتعلقة بمركز وطرق عمل المؤسسات الوطنية المعنية بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها.
3- يسهم المجتمع المدني، وبخاصة الأشخاص ذوو الإعاقة والمنظمات الممثلة لهم، في عملية الرصد ويشاركون فيها مشاركة كاملة" 12.
فيقع إذن على عاتق سورية، وتبعا لما نصت عليه هذه الاتفاقية الدولية إنشاء مستقلة يمكن أن توكلها إلى هيئة خاصة متمثلة بالمؤسسة الوطنية السورية لحقوق الإنسان، تكون على غرار المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان 13، يُعهد إليها تعزيز اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتها ورصد تنفيذها.
ثانيا: المساهمة في تحقيق العدالة الانتقالية
يُنتظّر من أي مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان أن تتعاون مع المواطنين والمنظمات غير الحكومية ومختلف الهيئات الدولية والإقليمية لمعالجة مجموع من القضايا 14، من بينها العدالة الانتقالية 15.
ثالثا: التشاور بقصد إعداد مختلف التقارير الخاصة بالآليات الدولية والإقليمية لحماية حقوق الإنسان 16
اعتمدت منظمة الأمم المتحدة، وكذلك جامعة الدول العربية العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية لحماية حقوق الإنسان. سنستعرض كل الاتفاقيات الدولية بحماية حقوق الإنسان والبروتوكولات المضافة إليها التي اعتمدتها هذه المنظمة، ونبين تلك التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية، وكذلك الأمر بالنسبة لجامعة الدول العربية:
1- منظمة الأمم المتحدة، اعتمدت الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية التالية:
1- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 7/3/1966، ودخلت حيز النفاذ في 4/1/1969. وصادقت سورية على هذه الاتفاقية في 21/4/1969.
2- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16/12/1966، ودخل حيز النفاذ في 3/1/1976. وصادقت سورية على هذا العهد في 21/4/1969.
3- البروتوكول الاختياري المضاف إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10/12/2008، ودخل هذا البروتوكول حيز النفاذ بتاريخ 5/5/2013. ولم تصادق سورية على هذا البروتوكول.
4- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16/12/1966، ودخل حيز النفاذ في 23/3/1976. وصادقت سورية على هذا العهد في 21/4/1969.
5- البروتوكول الاختياري الأول المضاف إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والخاص بتقديم الشكاوى الفردية والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16/12/1966، ودخل حيز النفاذ في 23/3/1976. ولم تصادق سورية على هذا البروتوكول.
6- البروتوكول الاختياري الثاني المضاف إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والخاص بإلغاء عقوبة الإعدام والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 15/12/1989، ودخل حيز النفاذ في 11/7/1991. ولم تصادق سورية على هذا البروتوكول.
7- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18/12/1979، ودخلت حيز النفاذ في 3/9/1981. وصادقت سورية على هذه الاتفاقية في 28/3/2003.
8- البروتوكول الاختياري المضاف إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 6/10/1999، ودخل حيز النفاذ في 22/12/2000. ولم تصادق سورية على هذا البروتوكول.
9- اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10/12/1984، ودخلت حيز النفاذ في 26/6/1987. وصادقت سورية على هذه الاتفاقية في 19/8/2004.
10- البروتوكول الاختياري المضاف إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18/12/2002، ودخل حيز النفاذ في 22/6/2006. ولم تصادق سورية على هذا البروتوكول
11- اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20/11/1989، ودخلت حيز النفاذ في 2/9/ 1990. وصادقت سورية على هذه الاتفاقية في 15/7/1993.
12- البروتوكول الاختياري الأول الملحق باتفاقية حقوق الطفل المتعلق ببيع الأطفال وبغاء الأطفال واستغلال الأطفال في المواد الإباحية والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 25/5/2000، ودخل حيز النفاذ في 18/1/2002. وصادقت سورية على هذا البروتوكول في 15/5/2003.
13- البروتوكول الاختياري الثاني الملحق باتفاقية حقوق الطفل المتعلق باشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 25/5/2000، ودخل حيز النفاذ في 12/2/2002. وصادقت سورية على هذا البروتوكول في 17/10/2003.
14- البروتوكول الاختياري الثالث الملحق باتفاقية حقوق الطفل المتعلق بإجراء تقديم البلاغات والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 19/12/2011، ودخل حيز النفاذ في 14/4/2014. ولم تصادق سورية على هذا البروتوكول.
15- الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18/12/1990، ودخلت حيز النفاذ في 1/7/2003 17. وصادقت سورية على هذه الاتفاقية في 2/6/2005.
16- اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 13/12/2006، ودخلت حيز النفاذ في 3/5/2008. وصادقت سورية على هذه الاتفاقية في 10/7/2009.
17- البروتوكول الاختياري المضاف إلى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 13/12/2006، ودخلت حيز النفاذ في 3/5/2008. وصادقت سورية على هذا البروتوكول في 10/7/2009.
18- الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20 كانون الأول/ديسمبر 2006، ودخلت حيز النفاذ في 23 كانون الأول/ديسمبر 2010 18. ولم تصادق سورية على هذه الاتفاقية.
الزمت هذه الاتفاقيات الدولية الدول الأطراف فيها، ومن بينها الجمهورية العربية السورية، وتطبيقا لمختلف آلياتها، بتقديم تقارير إلى اللجان المعنية التي أسستها هذه الاتفاقيات 19، وهو ما يُعرف بتطبيق الآليات التعاقدية لحماية حقوق الإنسان. ويوجد إلى جانب هذه الآليات التعاقدية آليات غير تعاقدية منها تقديم التقرير الدوري الشامل إلى مجلس حقوق الإنسان 20.
يمكن إذن، للمؤسسة السورية لحقوق الإنسان التشاور مع مختلف الجهات المعنية في الوزرات السورية بقصد إعداد مختلف التقارير الخاصة بالآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان.
2- جامعة الدول العربية: اعتمدت هذه الجامعة الميثاق العربي لحقوق الإنسان في القمة العربية المنعقدة بتونس تاريخ 23/5/2004، ودخل هذا الميثاق حيز النفاذ في 16/3/2008 21. وكانت الجمهورية العربية السورية من أولى سبع دول عربية صادقت على هذا الميثاق العربي مما سمح بدخوله حيز النفاذ.
كّرس هذا الميثاق العربي لحقوق الإنسان، المواد من 45 إلى 48 لآلية احترام الدول الأطراف فيه لأحكامه، وذلك من خلال تأسيس (لجنة حقوق الإنسان العربية) (لجنة الميثاق)، والزم هذه الدول بتقديم تقارير أولية ودورية ومعلومات إضافية إلى هذه اللجنة والتي تقوم بدراستها 22. ويمكن أيضا، وفي المجال الإقليمي، أن تشارك المؤسسة الوطنية السورية في إعداد التقارير التي يجب أن تقدم إلى لجنة حقوق الإنسان العربية.
الخاتمة
حاولنا من خلال هذا المدخل - ونتمنى أن نتبعه لاحقا أو غيرنا من الباحثين والدارسين السوريين بمزيد من الدراسات والتفاصيل والتحاليل - أن نؤكد على أهمية إنشاء مؤسسة وطنية سورية لحقوق الإنسان. فلا خلاف على أن الاهتمام بإنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ودورها يعزز الحكم الديمقراطي 23، وهو الحكم الذي تتطلع إليه مختلف مكونات وشرائح وأطياف المجتمع السوري بعد أكثر من نصف قرن من الحكم الأسدي.
وكلما توافرت مؤسسات تعنى بقضايا حقوق الإنسان سواء منها الحكومية أو غير الحكومية فإن الإنسان في الجمهورية العربية السورية، وبغض النظر عن أي تمييز كان عرقي أو ديني أو لغوي أو اجتماعي أو ثقافي، سيكون هو الرابح الأول من جهود هذه المؤسسات وتنوع أشكالها ومهامها.
ويبدو لنا اليوم بأن إنشاء مؤسسة وطنية سورية حسب مبادئ باريس وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ضرورة حيوية ومستعجلة أيضا في هذه المراحل الأولى من بناء سورية الجديدة.
وسنختم بحقيقة تاريخية وقانونية يجب أن تعرفها كل أجيال سورية: إن أول منظمة غير حكومية عربية تعنى بحقوق الإنسان تم تأسيسها في العالم العربي كانت في سورية، وهي: رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان التي تم شهرها بتاريخ 8/7/1962، ونُشر ملخص هذا الشهر في العدد 35 من الجريدة الرسمية للجمهورية العربية السورية، وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، مديرية الخدمات الاجتماعية (الرقم خ/2/7599) الصادر بتاريخ 26/7/1962 24.
لقد كانت سورية سباقة عبر تاريخها في عدة مجالات، ومن بينها حماية حقوق الإنسان، وسيأتي تأسيس مؤسسة سورية لحقوق الإنسان ليضيف جديدا إلى المشوار الحقوقي لسورية ويعزز احترام حقوق الإنسان وحرياته على أراضيها.
[1] رئيس المركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، ستراسبورغ، فرنسا. أستاذ محاضر في جامعة ستراسبورغ.
[2] تتألف عناصر المجتمع المدني من:
1- المدافعون عن حقوق الإنسان.
2- المنظمات غير الحكومية.
3- رابطات ومجموعات الضحايا وأقاربهم.
4- التحالفات والشبكات المهتمة بحقوق المرأة، والطفل، وذوي الإعاقة، وكبار السن، والحقوق البيئة.
5- المجموعات المجتمعية كالأقليات والشعوب الأصلية.
6- المجموعات القائمة على أساس ديني كالجمعيات الدينية.
7- الاتحادات والنقابات والأحزاب والرابطات المهنية.
8- الحركات الاجتماعية كحركات السلام والطلبة ومناصرة الديمقراطية.
9- المهنيون الذين يساهمون مباشرة في التمتع بحقوق الإنسان مثل: العاملين الإنسانيين، والمحامين، والأطباء والعاملين الطبيين.
10- المؤسسات العامة التي تبذل أنشطة بهدف تعزيز حقوق الإنسان كالمدارس والجامعات والهيئات البحثية. انظر، العمل مع برنامج الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، دليل للمجتمع المدني، الأمم المتحدة، نيويورك وجنيف، 2008، ص vii.
[3] انظر، المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، التاريخ والمبادئ والأدوار والمسؤوليات، منشورات الأمم المتحدة، جنيف ونيويورك، 2010، ص 174 وما بعدها.
[4] انظر، تاريخ الاطلاع: 20/2/2025:
[5] انظر، المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، التاريخ والمبادئ والأدوار والمسؤوليات، ص 15.
[6] انظر، المرجع السابق، ص 15.
[7] انظر رابط: الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، تاريخ الاطلاع: 18/2/2025:
[8] انظر رابط: الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان:
[9] انظر، المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، التاريخ والمبادئ والأدوار والمسؤوليات، ص 15.
[10] انظر، المرجع السابق، ص 15 و16.
[11] انظر، المرجع السابق، ص 24 وما بعدها.
[12] يمكن الاطلاع على كامل نص هذه الاتفاقية في: المعاهدات الدولية الأساسية الجديدة لحقوق الإنسان، مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الأمم المتحدة، نيويورك، جنيف، 2007، ص 253 وما بعدها.
[13] انظر، المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص 4.
[14] انظر، المرجع السابق، ص 4.
[15] انظر، محمد أمين الميداني، "نحو تطبيق العدالة الانتقالية في سورية الجديدة"، جريدة (الجريدة)، الكويت، 25/12/2024.
وانظر أيضا: العدالة الانتقالية في السياقات العربية، الناشر المنظمة العربية لحقوق الإنسان، القاهرة، 2014. وانظر أيضا فيما يخص تجربة المملكة المغربية مع العدال الانتقالية: امبارك بودرقة، أحمد شوقي بنيوب، كذاك كان، مذكرات من تجربة هيأة الإنصاف والمصالحة، الطبعة الثانية، دار النشر العربية، الرباط، 2017.
[16] انظر، الآليات الوطنية لإعداد التقارير والمتابعة. دليل عملي بشأن تعاون الدول مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان، المفوضية السامية لحقوق الإنسان، الأمم المتحدة، جنيف ونيويورك، 2016، ص 3 وما بعدها.
[17] انظر نصوص هذه الصكوك في: المعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الأمم المتحدة، نيويورك، جنيف، 2006.
[18] انظر نصوص الصكوك الثلاثة الأخيرة في: المعاهدات الدولية الأساسية الجديدة لحقوق الإنسان، مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الأمم المتحدة، نيويورك، جنيف، 2007.
[19] انظر في هذا الخصوص، محمد أمين الميداني، اللجان الدولية لحماية حقوق الإنسان وآلياتها، الطبعة الأولى، منشورات المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، لبنان، 2017.
[20] انظر بخصوص الآليات غير التعاقدية، محمد أمين الميداني، مدخل إلى الحماية الدولية لحقوق الإنسان، الطبعة الأولى، منشورات الأكاديمية الدولية لحقوق الإنسان، بيروت، والمركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، ستراسبورغ، 2021، ص 49.
[21] انظر على سبيل المثال بخصوص هذا الميثاق العربي، محمد أمين الميداني، المختار من دراسات النظام العربي لحقوق الإنسان، الطبعة الأولى، منشورات المركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، ستراسبورغ، 2019.
[22] انظر في هذا الخصوص، محمد أمين الميداني، تطوير آلية لجنة حقوق الإنسان العربية، مقارنة بآليات اللجان الإقليمية لحماية حقوق الإنسان، الطبعة الأولى، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، لبنان، 2017.
[23] انظر، المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص 7.
[24] يذكر دائما الزملاء في تونس أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان هي "أول جمعية من نوعها تظهر بإفريقيا والوطن العربي". ولكن هذه الرابطة تأسست في 14/5/1976، وحصلت على التأشيرة القانونية في 7/5/1977، انظر الرابط:
https://ltdh.tn/%d8%aa%d9%82%d8%af%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a7%d8%a8%d8%b7%d8%a9/