ماذا عن قرار "الاتحاد من أجل السلام"؟

This article is not available in English, but the Arabic version is available

تُطرح التساؤلات بخصوص محاكمة المهتمين بارتكاب جرائم حرب، و/أو جرائم ضد الإنسانية، و/أو جريمة الإبادة، و/أو جريمة العدوان. وهل يمكن تقديمهم للمحاكم الوطنية تبعا لما يُعرف باسم "قانون الصلاحية الدولية"، أو إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ولكننا نعلم أن تفعيل قانون الصلاحية الدولية يواجه صعوبات جمة 1، كما أن هناك شروط عديدة لتقديم المتهمين إلى المحكمة الجنائية الدولية، أوضحتها المادة 13 من نظام المحكمة حيث تنص على ما يلي: "للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة 5 وفقا لأحكام هذا النظام الأساسي في الأحوال التالية:

  • (أ) إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام وفقا للمادة 14 حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت؛
  • (ب) إذا أحال مجلس الأمن، متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت؛
  • (ج) إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم وفقا للمادة 15".

وتنص المادة 5 المشار إليها على اختصاص المحكمة بالنظر في الجرائم التالية:

  • أ) جريمة الإبادة الجماعية؛
  • (ب) الجرائم ضد الإنسانية؛
  • (ج) جرائم الحرب؛
  • (د) جريمة العدوان.

فإذا لم تكن دولة طرف في نظام المحكمة الجنائية الدولية 2، وإذا لم يبدأ المدعي العام للمحكمة بمباشرة التحقيق في جريمة من الجرائم المشار إليها آنفا، يبقى أمامنا اللجوء إلى مجلس الأمن حسب الفقرة (ب) من المادة 15 من نظام المحكمة. ولكن يقذف إلى الأذهان مباشرة إمكانية استخدام دولة دائمة العضوية في هذا المجلس لحق النقص (الفيتو)، الذي تتمتع به، وكما هو معروف، خمس دول كبرى، وهي: روسيا، والصين، وفرنسا، والمملكة المتحدة وشمال إيرلندا، والولايات المتحدة الأمريكية، إذا لم ترغب أو تعارضت مصالحها مع محاسبة المتهمين بارتكاب تلك الجرائم، فهل يعني ذلك أنه لا توجد وسيلة قانونية أخرى يمكن اللجوء إليها لتقديم هؤلاء المتهمين إلى المحكمة الجنائية الدولية؟

ما نريد أن نوضحه في هذ المقالة، هو ما يمكن أن نسميه (الالتفاف) على مجلس الأمن، كهيئة من هيئات منظمة الأمم المتحدة، والتوجه إلى هيئة أخرى كل الدول صغيرها وكبيرها متساوية فيها، لأنها كلها تملك حق التصويت المتساوي، ولا يمارس فيها حق النقض، ونقصد بها الجمعية العامة للأمم المتحدة وذلك في حال الفشل باستصدار قرار من مجلس الأمن. ويمكن بالفعل اللجوء إلى هذه الجمعية العامة بغرض استصدار قرار يحيل إلى المحكمة الجنائية الدولية قضية اُرتكبت فيها جريمة من الجرائم التي أشارت إليها المادة 5 من نظام المحكمة الجنائية الدولية، وذلك بالاعتماد على ما يُعرف باسم (قرار الاتحاد من أجل السلام - Uniting For Peace Resolution) الذي اتخذته الجمعية في 3/11/1950 تحت الرقم (377/5). وهو القرار الذي تم اعتماده بناء على مبادرة من الولايات المتحدة الأمريكية 3.

يتضمن هذا القرار ثلاثة أجزاء، يعنينا الجزء الأول، وبخاصة الفقرة (أ-1) التي تشير إلى ما يلي: "إذا لم يتمكن مجلس الأمن، بسبب عدم إجماع أعضائه الدائمين، من مباشرة مسؤوليته الرئيسية في حفظ السلام والأمن الدولي فيما يخص أية حالة يظهر فيها تهديد للسلم، أو إخلال بالسلم، أو وقوع عمل من أعمال العدوان، تنظر الجمعية العامة في المسألة على الفور بهدف تقديم توصيات مناسبة إلى الأعضاء من أجل اتخاذ تدابير جماعية، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة في حالة الإخلال بالسلم أو وقع عمل من أعمال العدوان، وذلك لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه. إذا لم تكن الجمعية العامة منعقدة في ذلك الوقت فيمكن أن تنعقد في دورة استثنائية طارئة خلال أربع وعشرين ساعة من تلقي طلبا بعقد مثل هذه الدورة. وتنعقد مثل هذه الدورة الاستثنائية إذا ما طلب عقدها أية سبعة أعضاء في مجلس الأمن أو أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة" 4.

لقد تم اللجوء، حتى الآن، إلى قرار الجمعية العامة رقم (377/5) تاريخ 3/11/1950، في ثلاث حالات في النصف الثاني من القرن الفائت، وهي:

  1. العدوان الثلاثي على مصر 1956: لعب قرار الجمعية العامة رقم 377 دورا مؤثرا وناجحا في نشاطات هذه الجمعية وأعمالها أبان هذا العدوان الثلاثي، وصدرت عدة قرارات لهذه الجمعية تدين إسرائيل وبريطانيا وفرنسا على عدوانهم على مصر وتطالبهم بسحب قواتهم العسكرية المتواجدة على الأراضي المصرية 5.
  2. تدخل حلف وارسو في هنغاريا 1958: تم تفعيل قرار الجمعية العامة أثر تدخل قوات حلف وارسو بزعامة الاتحاد السوفيتي في هنغاريا عام 1956 6. واجتمعت هذه الجمعية لمناقشة هذا الموضوع، ولكن لم يتم تطبيق أي من القرارات الصادرة عنها آنذاك، مما يعني بأن القرار 377 لم يلعب أي دور في حل الأزمة التي كانت شكلا آخر من أشكال الصراع الذي عرفه القرن العشرين بين المعسكرين الغربي والشرقي أبان الحرب الباردة.
  3. طلب الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية 2003: أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري بخصوص الجدار العنصري الفاصل في فلسطين اعتمادا على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (د إ ط - 10/14 – الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة)، تاريخ 12/12/2003، وجاء في حيثيات قرار الجمعية العامة تبيان "ما هي الآثار القانونية الناشئة عن تشيد الجدار الذي تقوم إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بإقامته في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية وما حولها، على النحو المبين في تقرير الأمين العام، وذلك من حيث قواعد ومبادئ القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة؟" 7. واعتمدت محكمة العدل الدولية لتأسيس صلاحيتها القانونية للنظر في الآثار القانونية الناشئة عن تشيد الجدار الفاصل في فلسطين، على قرار الجمعية العامة الآنف الذكر، والذي تم اعتماده، كما أوضحت المحكمة في حيثيات رأيها الاستشاري، بالتطبيق لقرار الجمعية العامة رقم (377/5) 8، وكان واضحا من هذا الرأي الاستشاري من أن "تشييد الجدار الذي تقوم إسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال، ببنائه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية وحولها، والنظام المرتبط به، يتعارض مع القانون الدولي؛" 9. هذه هي حالة ثالثة من الحالات التي سمحت باللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وبقصد استصدار قرار ومن دون حاجة للجوء إلى مجلس الأمن.

وخلاصة القول أنه يبقى في متناول المجتمع الدولي وسيلة قانونية وعملية، سبق استخدامها واللجوء إليها عدة مرات، وهي قرار "الاتحاد من أجل السلام"، بقصد محاسبة المتهمين بالجرائم البشعة التي جاء النص عليها في نظام المحكمة الجنائية الدولية، ولكن بشرط أن تتوافر الإرادة السياسية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وأن يكون هناك رغبة فعلية لمحاكمة المتهمين عن هذه الجرائم.



[1] انظر، محمد أمين الميداني، "عقبات جيدة تحول دون محاكمة مجرمي الحرب" صحيفة )الفجر( الجزائر العاصمة، تاريخ 20/4/2003.

[2] نذكر في هذا الخصوص أن أربع دول عربية فقط صادقت على نظام المحكمة الجنائية الدولية، وهي: الأردن، وتونس، وجيبوتي، وجزر القمر. انظر، محمد أمين الميداني، " تونس رابع دولة عربية تنضم لنظام المحكمة الجنائية الدولية"، موقع (مساواة)، المملكة العربية السعودية، حزيران/يونيو 2011. http://www.musawah.net/news/item.php?id=1366

[3] انظر حسن نافعة، الأمم المتحدة في نصف قرن، دراسة في تطور التنظيم الدولي منذ عام 1945، عالم المعرفة، الكويت، العدد 202، 1995، ص 131.

[4] لا يوجد ترجمة عربية رسمية لهذا القرار، أنظر ترجمته في علاء قاعود، جدار غير شرعي، فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد إسرائيل جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية وما حولها، الطبعة الأولى، منشورات مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، تعز، 2005، ص 247.

[5] أنظر القرارات التي اتخذتها الجمعية العامة في دورتها الاستثنائية الطارئة الأولى، 1-10/11/1956، الجمعية العامة، الوثائق الرسمية: الدورة الاستثنائية الطارئة الأولى، الملحق رقم 1 (A/3354)، الأمم المتحدة، نيويورك، 1974.

[6] أنظر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (A/3355)

[7] أنظر قرارا الجمعية العامة (دإط – 10/14 – الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة) (A/RES/ES-10/14, 12 December 2003).

[8] أنظر: http://www.un.org/News/fr-press/docs/2004/CIJ636.doc.htm

[9]، قاعود، ص 19.

back