"حق اللجوء" بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والميثاق العربي لحقوق الإنسان

This article is not available in English, but the Arabic version is available

يعدّ اللجوء تقليدا من التقاليد العربية – الإسلامية 1، عرفه العرب قبل الإسلام، وكان واحدا من تقاليدهم المشهورة كالكرم وحسن الضيافة والفروسية. وجاء الإسلام ليؤكد على ضرورة الهجرة والخروج بحثا عن ملجأ أو ملاذ في حال وقوع الظلم والاضطهاد. وصاغ الفقهاء مجموعة من القواعد في الفقه الإسلامي فيما يتعلق باللجوء وأشكاله وقواعده، وبحقوق اللاجئين وواجباتهم 2.

وعرفت الدول العربية في القرن الفائت وهذا القرن حالات هجرة ولجوء ونزوح نتيجة اضطرابات سياسية، وأوضاع اقتصادية صعبة، وحروب، ونزاعات مسلحة، وثورات، واضطرابات.

ونجح المجتمع الدولي باعتماد عدد من الصكوك الدولية والإقليمية تبحث في أوضاع اللاجئين وتنص مختلف موادها على حمايتهم وبيان حقوقهم. وتأتي بالطبع في مقدمة هذه الصكوك اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين والتي تم اعتمادها بجنيف في 28/7/1951، والتي دخلت حيز النفاد في 22/4/1954، والبروتوكول الخاص بوضع اللاجئين الذي تم اعتماده في 31/1/1967، ودخل حيز النفاد في 4/10/1971 3.

لن نتطرق في هذه المقالة إلى الصكوك الخاصة بأوضاع اللاجئين وحمايتهم. بل سنبحث في دور عدد من مندوبي الدول العربية في تحضير المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والمتعلقة بحق اللجوء (أولا)، وسنقدم الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 2004، ومادته 28 التي تبحث أيضا في حق اللجوء، ونرى آلية تطبيق هذا الميثاق العربي (ثانيا).

أولا
الدول العربية والمادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

لم تشارك كل الدول العربية، وعددها حاليا 22 دولة، في تحضير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لأن معظمها كان يرزح تحت نير الاستعمار في أثناء صياغة هذا الإعلان العالمي. وشـاركت سـت دول عرية فقط في هذا التحضير، وهي: المملكة العربية السعودية، وسورية، والعراق، ولبنان، ومصر، واليمن. وتمت المشاركة أيضا في لجنة حقوق الإنسان، وفي اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة. أما في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، والذي كلف، بالتطبيق لقراره تاريخ 16/2/1946، لجنة حقوق الإنسان بتحضير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فلم يكن من بين أعضائه إلا دولتين عربيتين وهما: لبنان، ومصر، وكانت لبنان الدولة العربية الوحيدة العضو آنذاك في لجنة حقوق الإنسان.

تنص المادة 14 من الإعلان العالمي على ما يلي: '1- لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصا من الاضطهاد.

2- لا يمكن التذرع بهذا الحق إذا كانت هناك ملاحقة ناشئة بالفعل عن جريمة غير سياسية أو عن أعمال تناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها'.

عندما عرض مشروع هذه المادة على اللجنة الثالثة، كانت صياغة الفقرة الأولى كالتالي: 'لكل فرد حق التماس ملجأ والحصول عليه في بلدان أخرى هربا من الاضطهاد'. لكن عارض مندوب المملكة العربية السعودية جملة 'والحصول عليه' في هذا المشروع لأنها تعني بأنه من حق كل فرد الحصول على ملجأ في البلد الذي يختاره حتى ولو كان هذا البلد غير مستعد لاستقباله وهو ما يمثل اعتداء على سيادة الدولة. واقترح إلغاء هذه الجملة مؤكدا بأن بلده المملكة العربية السعودية تقبل بمبدأ الاستفادة من حق اللجوء الذي هو حق لا خلاف عليه، كما أنه يعدّ مبدأ أساسيا من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وعارض، من جهة ثانية، عدد من المندوبين، ومن بينهم مندوب لبنان، هذا الاقتراح، وكان أن تم حذف جملة 'والحصول عليه' في آخر المطاف بأغلبية 18 صوتا، وامتناع 8 دول عن التصويت 4.

يمكن أن يبدو اقتراح مندوب المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة من أربعينيات القرن الفائت لا يمس بمبدأ اللجوء، ولا بحق كل فرد بالمطالبة به، وبالحرية المتروكة للدولة المضيفة لإعطاء حق اللجوء لمن يلجأ إليها دون أن تلتزم بذلك الحق، ولكن هل يمكن، في هذه الأيام، وموجات من النازحين واللاجئين التي تشهد بلدانها حروب، وثورات، واضطرابات ونراها بالتالي تتدفق على دول الجوار في بقاع مختلفة من العالم، أن نتفهم امتناع دولة ما عن منح حق اللجوء لمن يستحقه، وهل منح هذا الحق يمس بسيادة الدولة في الوقت الذي تعاني فيه أمواج اللاجئين من مشكلات إنسانية واجتماعية واقتصادية عديدة.

ثانيا
الميثاق العربي لحقوق الإنسان وحق اللجوء

يندرج اعتماد الميثاق العربي لحقوق الإنسان، من قبل جامعة الدول العربية، في نطاق اعتماد العديد من المنظمات الإقليمية لاتفاقيات تحمي حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في البلدان الأعضاء في هذه المنظمات.

ولا يجب أن نغفل، في المقابل، الاتفاقيات الخاصة بأوضاع اللاجئين التي اعتمدتها مختلف المنظمات الإقليمية 5، وهو ما يخرج عن نطاق هذه المقالة، حيث سنركز على حق اللجوء الذي نص عليه هذا الميثاق العربي. ونذكر أيضا بالاتفاقيات الإقليمية الأخرى، وهي: الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان: اتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، التي تم اعتمادها تاريخ 4/11/1950 ودخلت حيز التنفيذ بتاريخ 3/11/1953، و14 بروتوكولا مضافا إلى اتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، دخلت كلها حيز التنفيذ 6. والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، التي تم اعتمادها تاريخ 22/11/1969، ودخلت حيز التنفيذ في 18/7/1978 7. والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي تم اعتماده تاريخ 26/6/1981، ودخل حيز التنفيذ في 21/10/1986 8.

ولا بد من التنويه بداية إلى أنه تم اعتماد صيغة أولى للميثاق العربي لحقوق الإنسان، بتاريخ 15/9/1994 9، ولكن لم تصادق عليه أي دولة عربية.

وكان اعتمدت القمة العربية في تونس، وبتاريخ 23/5/2004، صيغة جديدة للميثاق العربي لحقوق الإنسان 10. ودخل هذا الميثاق حيز التنفيذ في 16/3/2008، بعد أن صادقت عليه سبع دول عربية عملا بما تنص عليه المادة 49 من هذا الميثاق. أما الدول العربية التي صادقت عليه، فهي: الأردن، والأمارات العربية المتحدة، والبحرين، والجزائر، وفلسطين، وليبيا، وسورية. وصادقت لاحقا كل من: قطر، ولبنان، والمملكة العربية السعودية، واليمن على الصيغة الجديدة لهذا الميثاق العربي.

تنص المادة 28 من هذا الميثاق العربي لحقوق الإنسان على ما يلي: 'لكل شخص الحق في طلب اللجوء السياسي إلى بلد آخر هربا من الاضطهاد ولا ينتفع بهذا الحق من يجري تتبعه من أجل جريمة تهم الحق العام ولا يجوز تسليم اللاجئين السياسيين'.

نلاحظ من قراءة هذه المادة أنها تشابه المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما أنها لم تشر إلى 'الحق' في الحصول على 'ملجأ'، وهو ما كان، كما رأينا سالفا، موضوع خلاف حين تم تحضير الإعلان العالمي، هذا من جهة.

ولكن ما أضافه الميثاق العربي، من ناحية ثانية، وما لم ينص عليه الإعلان العالمي، هو حظر 'تسليم اللاجئين السياسيين'، وهو ما يعّد برأينا خطوة هامة، وموقف جيد اتخذه الميثاق العربي بخصوص قضية حساسة في العالم العربي ألا وهي موضوع تسليم اللاجئين السياسيين، في الوقت الذي لا يزال فيه موضوع اللجوء السياسي من بين المواضيع المرتبطة بشكل أساس بحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في الدول العربية، ومدى احترام هذه الدول لقواعد هذه الحماية وآلياتها، وتأثير المناخ السياسي على تطبيقات هذه الحماية على الرغم من التزام العديد من البلدان العربية بالاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان.

وإذا انتقلنا الآن إلى آلية الميثاق العربي لحقوق الإنسان، لوجدنا الميثاق كّرس المواد من 45 إلى 48 لآلية احترام الدول الأطراف فيه لأحكامه، وذلك من خلال تأسيس (لجنة حقوق الإنسان العربية)، وإلزام هذه الدول بتقديم تقارير أولية ودورية إلى هذه اللجنة 11.

وتتجلى آلية هذا الميثاق العربي، وبالتطبيق لمختلف فقرات المادة 48، بتعهد الدول الأطراف فيه بتقديم 'تقارير' إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي يحيلها بدوره إلى (لجنة حقوق الإنسان العربية).

وتختلف طبيعة هذه التقارير، حيث تقوم بداية الدول الأطراف بتقديم تقارير أولية، كما تقوم بتقديم تقارير دورية، ومعلومات إضافية إلى لجنة حقوق الإنسان العربية، وتدرس هذه اللجنة العربية بدورها تقارير الدول الأطراف، وتبدي ملاحظاتها.

لم تتح الفرصة بعد، وحسب علمنا، للجنة حقوق الإنسان العربية أن تصدر تقارير تتعلق بتطبيق الدول الأطراف في الميثاق العربي لحقوق الإنسان لأحكام المادة 28 من هذا الميثاق. وإن كنا نتابع، منذ عام، الأحداث السياسية التي تشهدها بعض الدول العربية، ونرى كيف أنها سببت بتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى دول الجوار، فإن ذلك سيظهر حتما في تقارير هذه الدول، ويكون موضع بحث ودراسة من قبل أعضاء هذه اللجنة، وينعكس أيضا في توصياتها وقراراتها.

تسعى الدول العربية من خلال أجهزة جامعة الدول العربية، وما اتخذته من قرارات، وما اعتمدته من صكوك للتأكيد على 'حق اللجوء'، و'حماية اللاجئين'، وحظر تسليم 'اللاجئين السياسيين'. ولكن اعتماد هذه الصكوك، ودخول بعضها حيز التنفيذ يتطلب بالدرجة الأولى وضع سياسات وطنية محددة تتعلق بأوضاع اللاجئين وحقوقهم وحمايتهم، وأن تكون هناك آليات داخلية تسمح بتقديم شكاوى وبالتظلم أيضا في حال انتهاك حقوق اللاجئين كما نصت عليها الاتفاقيات الدولية الخاصة بهم. ومن الضروري أيضا أن يُؤخذ بعين الاعتبار الجانب الإنساني فيما يتعلق باللاجئين وأوضاعهم، وهو ما تعمل عليه المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع الأهلي في الدول التي يتواجد على أراضيها أعداد من هؤلاء اللاجئين، وتتدفق عليها أعداد أخرى، والأمثلة كثيرة للأسف والتي يمكن أن نعطيها عن أوضاع اللاجئين، مع بدايات العقد الثاني من الألفية الثالثة، في العديد من الدول العربية.


رئيس المركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، فرنسا. أستاذ زائر، جامعة الجنان، طرابلس، لبنان.



[1] غسان معروف الأرناؤوط، اللجوء في التقاليد العربية والإسلامية، جنيف، 1987.

[2] انظر، حسام محمد سعد سباط، اللجوء السياسي في الإسلام، دار البيارق، بيروت، دار عمار، عمان الطبعة الأولى، 1997.

[3] صادقت تسع دول عربية على اتفاقية 1951 وبروتوكول1967، وهي: تونس، والجزائر، وجيبوتي، والسودان، والصومال، ومصر، والمغرب، وموريتانيا، واليمن.

[4] انظر، محمد أمين الميداني، 'العرب وصياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان'، مجلة (الديمقراطية)، مجلة فصلية متخصصة تعنى بقضايا الديمقراطية، تصدر عن مؤسسة الأهرام، القاهرة، العدد 33، يناير/كانون الثاني 2009، ص 164.

[5] يمكن الاطلاع على تفاصيل هذه الاتفاقيات في: حقوق الإنسان واللاجئين، صحيفة وقائع رقم 20، سلسلة من صحائف وقائع حقوق الإنسان، تصدرها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بمكتب الأمم المتحدة، جنيف، ص 11 وما بعدها.

[6] لا تنص هذه الاتفاقية الأوروبية على 'حق اللجوء'. انظر بخصوص مواد هذه الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وآليتها، محمد أمين الميداني، النظام الأوروبي لحماية حقوق الإنسان، الطبعة الثالثة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2009، ص 43 وما بعدها.

[7] انظر الفقرة 7 من المادة 22، من هذه الاتفاقية الأمريكية، وعنوانها: حرية التنقل والإقامة.

[8] انظر الفقرة 3 من المادة 12 من هذا الميثاق الأفريقي.

[9] انظر نص الصيغة الأولى للميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 1994 في: مجلة (شؤون عربية)، العدد 80، ديسمبر/كانون الأول، 1994، ص 230 وما بعدها.
انظر الترجمة الفرنسية لهذا الميثاق في:
La Charte arabe des droits de l’homme 1994, Revue Universelle des Droits de l’Homme, vol. 7, n° 4-6, 23 juin 1995, pp. 212-214.
وانظر الترجمة الإنكليزية لهذا الميثاق في:
Arab Charter on Human Right 1994, Human Rights Law Journal, Vol. 1 No. 1-4, pp. 151-153.

[10] ق. ق: 270 د.ع (16) - 23/5/2004.
انظر نص هذا الميثاق العربي في: محمد أمين الميداني، الميثاق العربي لحقوق الإنسان. دراسات ووثائق. حقوق الإنسان، سلسلة إصدارات جامعة الجنان، طرابلس، لبنان، دار المنى للطباعة والنشر، طرابلس، لبنان، 2012، ص 241 وما بعدها. (لاحقا، الميداني، الميثاق العربي).

انظر الترجمة الفرنسية لهذا الميثاق على الرابط:
http://www.acihl.org/texts.htm?article_id=16.
وانظر الترجمة الإنكليزية لهذا الميثاق في:

Arab Charter on Human Rights 2004, Boston University International Law Journal, Volume 24, Fall 2006, Number 2, pp. 147-164.

[11] انظر بخصوص آلية الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الميداني، الميثاق العربي، ص 67 وما بعدها.

back