السيدة الأولى والإعلان العالمي لحقوق الإنسان

This article is not available in English, but the Arabic version is available

نشرت بعض وسائل الإعلام، بتاريخ 16/2/2014، نتائج استطلاع آراء 242 مؤرخا وأستاذا للعلوم السياسية، طلب منهم تصنيف زوجات 38 رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية ضمن عشر فئات: مثل "الشجاعة"، و"النزاهة"، و"القيمة للبلاد" و"الانجازات". وجاءت النتيجة باختيار (إليانور روزفلت) (1884-1962)، زوجة الرئيس الأمريكي السابق (فرانكلين روزفلت)، الذي كان رئيسا للولايات المتحدة ما بين أعوام 1935-1945، (كأعظم سيدة أولى في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية)، وتم ذلك في "كل مرة من خمس مرات أجرى فيها معهد سينا كوليدج للأبحاث هذا الاستطلاع منذ عام 1982" 1.

وما يهمنا في هذه المقالة هو إطلاع قراء العربية، ومن يقيم منهم بالذات في الولايات المتحدة، ما لم يشر إليه هذا الاستطلاع ونقصد دور السيدة روزفلت في مجال حقوق الإنسان، وبشكل خاص في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948.

لقد أنجزت صياغة مسودة هذا الإعلان العالمي في رحاب لجنة حقوق الإنسان (والتي أصبحت تُعرف منذ عام 2006 بمجلس حقوق الإنسان ومقره مدينة جنيف). حيث شارك في هذه الصياغة كل من الدكتور شارل مالك من لبنان، والذي كان مقررا للجنة حقوق الإنسان، إلى جانب كل من إليانور روزفلت، والتي كانت آنذاك رئيسة لجنة حقوق الإنسان، والدكتور شانغ من الصين والذي كان نائبا لرئيس اللجنة، والبروفسور رينيه كاسان من فرنسا، وجون هنفري من كندا، إلى جانب عدد من المنظمات غير الحكومية 2.

وأُرسلت لاحقا هذه المسودة إلى اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشته وإدخال تعديلات عليه قبل اعتماده. ونشير هنا إلى مشاركة مجمـوعة صغيرة من الـدول العربيـة وعـددها سـت دول في النقاشات في اللجنة الثالثة. وهذه الدول هي: المملكة العربية السعودية، وسورية، والعراق، ولبنان، ومصر، واليمن.

وتم أخيرا إحالة مسودة الإعلان العالمي بعد اعتمادها من قبل اللجنة الثالثة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تم اعتماد هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في جلسة عقدتها هذه الجمعية في (قصر شايو-Palais de Chaillot) بباريس بتاريخ 10/12/1948. وصوتت كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة آنذاك على اعتماد الإعلان العالمي باستثناء ثماني دول امتنعت عن التصويت عليه 3، كما لم تشارك دولتين في جلسة الجمعية العامة التي تم فيها التصويت النهائي على الإعلان 4.

وسبق أن نُشرت، وبعدة لغات، العديد من الدراسات والبحوث والكتب عن دور من شارك بصياغة مسودة هذا الإعلان العالمي، ولاحقا عن قيمته الأدبية والقانونية، ومساهمة الإعلان في حماية حقوق الإنسان. ولعلنا نشير بمناسبة الحديث عن السيدة روزفلت إلى كتاب صدر بالإنجليزية منذ عدة سنوات تتحدث فيه المؤلفه عن إليانور روزفلت والإعلان العالمي لحقوق الإنسان 5. سيكون من المطول الدخول بتفاصيل 12 فصل تضمنهم هذا الكتاب، ولكن يمكن أن نلخص بعض أفكاره الأساسية بما يلي:

  1. الكتاب يبين كيف أن المعايير الدولية لحقوق الإنسان قد أصبحت وقائع بفضل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على الرغم من الصعوبات التي واجهت صياغة هذا الإعلان.
  2. أن قصة صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هي قصة مجموعة من النساء والرجال الذين تحدوا الصعوبات وسجلوا موقفا تاريخيا.
  3. كيف أن الفترة القصيرة التي فصلت ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية وانهيار التفاهم بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، قد سمحت بقيام بعض المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي، واعتماد مجموعة وثائق في مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
  4. أدرك أعضاء لجنة حقوق الإنسان أنهم في سباق مع الزمن بقصد اعتماد مسودة هذا الإعلان العالمي بقصد عرضها لاحقا على الجمعية العامة للأمم المتحدة بغرض اعتمادها، وهو ما تحقق فعلا.

يعطي الكتاب فكرة عن جهود السيدة روزفلت ومن شاركها من الخبراء والمتخصصين في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما أنه محاولة لتسليط الأضواء على مواقف أخرى لها تختلف عن مواقفها وأدوارها إلى جانب زوجها في خلال مشوراه قبل وفي أثناء الحرب العالمية الثانية. ومن الواضح بأن أدوارها لم تتوقف مع نهاية مشوار زوجها، حيث كانت ناشطة في مجال حقوق الإنسان وتركت بصماتها على أهم الوثائق التي اعتمدتها الأمم المتحدة لحماية هذه الحقوق والدفاع عنها، مما يوضح بأن نتائج الاستطلاع الذي أشارنا إليه في البداية قد عكست بالفعل وقائع وحقائق تاريخية لم تقتصر فقط على الولايات المتحدة الأمريكية بل شملت كل الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان خير شاهد على ذلك.


نُشرت هذه المقالة في صحيفة (النور)، أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية، آذار-مارس، 2014، ص 3 و8.



[1] انظر موقع وكالة (رويترز)، تاريخ 16/2/2014: http://ara.reuters.com/article/entertainmentNews/idARACAEA1F00120140216

[2] انظر، محمد أمين الميداني، "العرب وصياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، مجلة (الديمقراطية)، مجلة فصلية متخصصة تعنى بقضايا الديمقراطية، تصدر عن مؤسسة الأهرام، القاهرة، العدد 33، يناير/كانون الثاني 2009، ص 161-172.

[3] الدول التي امتنعت عن التصويت، في 10/12/1948، على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي: اتحاد جنوب إفريقيا، والاتحاد السوفيتي، وأوكرانيا، وبولونيا، وتشيكوسلوفاكيا، وروسيا البيضاء، والمملكة العربية السعودية، ويوغسلافيا. انظر، الميداني، مرجع سابق.

[4] لم يحضر مندوب اليمن ولا مندوب هندوراس جلسة التصويت النهائية على الإعلان العالمي، انظر، الميداني، مرجع سابق.

[5] انظر: Mary Ann Glendon, A World Made New. Eleanor Roosevelt and the Universal Declaration of Human Rights, Random House, Trade Paperbacks, New York, 2002.

back