القسم الأول
المضمون المحتمل للحق في التنمية
لن يكون لموضوع هذه المحاضرات أي مغزى لو نظرنا إلى الحق في الصحة من المنظور اللغوي. فإذا كنا نتمتع بصحة جيدة فما ذلك إلا بفضل الله، أو بفضل الصدفة، تبعا لكوننا مؤمنين أو غير مؤمنين، وليس بالتأكيد لكوننا أصحاب هذا الحق. فباستطاعة القاضي الذي يطبق القانون، أن يقضي لنا، من خلال أحكامه، بعدد كبير من الأمور أو الحقوق، ولكنه لا يستطيع أن يشفي أحدا. وإذا كنا نتحدث عن الحق في الصحة فلأننا نبحث المساهمة التي يمكن أن يقدمها هذا الحق في سبيل أن يتمتع الجميع بأفضل حالة صحية، ويكون باستطاعتهم الوصول إليها. هذه المساهمة موجودة، وما هي، في حقيقتها، إلا مختلف القواعد القانونية. وحتى نوضح ذلك، بإمكاننا أن ننظر إلى هذه القواعد من ثلاث جوانب: جانب سلبي، وجانب إيجابي، وجانب متساوي.
أولا
الجانب السلبي
نقصد بهذا الجانب من "الحق في الصحة"، حق الفرد بأن تمتنع دولته عن كل عمل من الممكن أن يهدد صحته، ونكون حينئذ قد تطرقنا للحقوق الأساسية التقليدية: كالحق في السلامة الشخصية، والحق في الحياة، والحق في السلامة الجسدية والعقلية، ومنع التعذيب. ولا يقتصر الجانب السلبي على واجب الامتناع، فمن الممكن أن يتضمن واجب الدولة بالامتناع عن ممارسة معاملة لا إنسانية، التزاما بالقيام بعمل إيجابي خاص بمعاملة المسجونين مثلا.
ونستطيع أن نستخلص المزيد من النتائج المتعلقة بالجانب السلبي لحق ما، كالحق في الصحة: مثل التساؤل مثلا عما إذا كانت الرخصة الحكومية بإقامة مشاريع خطيرة أو تسبب تلوث ما، من الممكن أن تعّد مخالفة لواجب مفروض على الدولة بالامتناع عن كل تصرف من الممكن أن يعرض صحة الأفراد للخطر؟
ثانيا
الجانب الإيجابي
المقصود بالحق في الصحة، في نطاق هذا الجانب، الحق في مجموعة من الإجراءات الحكومية الهادفة إلى الوقاية من الأمراض ومعالجة المرضى. وليس بالإمكان، في نطاق هذه المحاضرات، وصف هذه الإجراءات بشكل تام أو تصنيفهم بشكل كامل. فالأمر يتعلق، من ناحية، بتهيئة بعض الشروط التي تخص الدولة؛ إجراءات خاصة بالأمراض الوبائية، لقاحات، وتهيئة الظروف الخاصة بالتنمية، وتأمين نظام صحي وطني، وإجراءات خاصة بسلامة البيئة. ويتعلق، من ناحية ثانية، ببعض الأداءات الحكومية أو الإجراءات التشريعية مثل تلك الخاصة بالضمان الصحي أو المعالجة المجانية للمعوزين.
ثالثا
الجانب المتساوي
يجب ألا يكون هناك أخيرا، تمييز في التمتع بهذه الحقوق. فتصادفنا مشكلة هامة في هذا المضمار ألا وهي مشكلة التمييز القائم على أساس الثروة؛ فيجب هنا أن يستفيد الفقير من نفس الخدمات الطبية التي يستفيد منها الغني.
القسم الثاني
سبب وجود ضمانة الحق في الصحة
في النظام الدستوري الأول
يتحقق الاعتراف بالحق في الصحة من خلال إقرار مجموعة مختلفة من القواعد هدفها تأمين الشروط القانونية المناسبة للتمتع بأفضل صحة، وتحليل كل تفاصيل هذه المجموعة هو من مهام أصحاب الاختصاص في الصحة العامة. وتتعلق اهتمامات القانوني، في هذا الخصوص، بمشكلة أساسية وهي السؤال: عن النهج الذي يمكن أن تنهجه القوانين من أجل تهيئة الشروط التي تتيح للجميع التمتع بأفضل حالة صحية؟ ونلاحظ ردا على هذا السؤال، بأنه لا يكفي الاعتماد على تشريع تفصيلي، بل يجب الاعتماد على مبادئ توجيهية، وغالبا على قواعد دستورية عامة.
أولا
الجانب السلبي
يجب العودة فيما يخص الجانب السلبي، إلى الحريات التقليدية التي تضمنتها الدساتير بدءا من نهاية القرن الثامن عشر، والتي عكست طموحات البرجوازية، ولم تقبل، مع ذلك، وبسهولة مجموعة الحقوق التي ضمنتها هذه الدساتير، مفهوم احترام السلامة. وكان هذا المفهوم جزءا من مفهوم "الأمن" الذي نص عليه إعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789، والذي اعتبره "حق طبيعي غير قابل للتقادم" 1. وقد ضمن هذا الحق، حقوق المرافعات والإجراءات مثل تحريم "العقوبة القاسية وغير الطبيعية"، التي هي جزء من صك أو عريضة الحقوق في الولايات المتحدة الأمريكية 2. ونجد التحريم الصريح للتعذيب في الضمانات القضائية، كما في دستور النرويج لعام 1814 3. ودساتير أمريكا اللاتينية في القرن المنصرم، حيث كان هذا التحريم منصوصا عليه بشكل أوسع 4. وكان (توماسيوز) يعاقب في عام 1701، على استعمال التعذيب كوسيلة للتحقيق القضائي 5.
ويركز مع ذلك، المعنى الواسع للكرامة الإنسانية، على حماية السلامة الجسدية والعقلية للفرد (حيث يُعّد تحريم التعذيب جزءا من هذه الحماية)، وهو تطور جديد نصت عليه دساتير الدول 6، وكان سببه التجارب الشنيعة التي أجريت في الحرب العالمية الثانية.
ثانيا
الجانب الإيجابي
الحق في الصحة كحق إيجابي
1- الحقوق الاجتماعية
تتمتع غالبا الحريات التقليدية بصفة سلبية أو دفاعية، فالبرجوازي يحصل بنفسه وبإمكانياته، على ما هو بحاجة إليه، وكل ما يطلبه من الدولة هو أن تتركه يقوم بذلك، والحريات البرجوازية بالنسبة له ذات إمكانيات محدودة، وهو يرفض أي تدخل من طرف الدولة من أجل تحقيق أية عدالة للمتطلبات الاجتماعية للعمال. وبدأنا نتحقق من ذلك اعتبارا من نهاية هذا القرن، وكان من نتيجته أن نصت الدساتير على الحقوق الاجتماعية، ومن أهمها الحق في العمل 7، كما هو الحال في دستور اللكسمبورغ لعام 1868 وكان أن نصت دساتير عدة بلدان على الحقوق الاجتماعية.
وينص اليوم عدد كبير من الدساتير، التي تنتمي لمختلف الأنظمة السياسية، والتي تخص كل مناطق العالم، على الحق في الصحة 8 ****. ونجد بعض عناصر هذا الحق في دستور إيرلندا لعام 1937 9. ويُعّد الحق في الصحة، في النظام الدستوري الحالي، كقاعدة عامة من بين الحقوق المحمية، وذلك في حال نص دستور ما على الحقوق الاجتماعية. ولنعطي أمثلة عن دساتير ثلاثة دساتير حديثة تتمتع بصفة خاصة، وهي السعي لإقامة نظام ديمقراطي بعد فترة حكم ديكتاتورية، وهي دساتير: اليونان 10، والبرتغال 11، وإسبانيا 12.
لقد أصبحت الدولة الحديثة دولة اجتماعية، دولة صاحبة عناية إلهية، فهي تقوم بتقديم عدة خدمات، وتتكفل بتوزيع الثروات، وتقيم المنشآت الضرورية لحياة الجميع، فمن الطبيعي إذن أن يعكس دستورها هذه الحقيقة المتمثلة بضمان الحقوق الاجتماعية. وإذا كان هذا الوضع ينطبق على الدول الصناعية، فهو بالأحرى ينطبق على دول العالم الثالث، حيث أن الوضع الاجتماعي المتهور لعدد كبير من السكان، يجعل من دور الدولة دورا أكثر ضرورة وإلحاحا.
2- مشكلة التقاضي
إن عددا كبيرا من الدول، ومن بينها دول بلغت مستوى اقتصاديا واجتماعيا متقدما، لا تتضمن دساتيرها حقوقا أو نصوصا اجتماعية (الولايات المتحدة، والسويد)، ويعود ذلك بالتأكيد لأسباب تاريخية مختلفة. ولكن هناك سببا قانونيا هاما جدا ألا وهو مشكلة التقاضي 13. فإذا ضمن الدستور الحق في العمل، فليس باستطاعة القاضي أن يؤمن دائما عملا لشخص عاطل. ويعود للمشرع وللحكومة، من خلال مجموعة من الإجراءات، تهيئة الشروط الاقتصادية التي تسمح للعاطلين عن العمل أن يجدوا عملا ما. ويتردد، على الرغم من ذلك، بأنه ليس من المناسب أن تنص الدساتير على الحقوق الاجتماعية لأن ذلك يؤدي إلى خلق آمال كاذبة، ولن يعود بالإمكان تطبيق هذه الحقوق، وبخاصة عندما تستدعي الضرورة ذلك مما يسبب بالتالي الشك في قيمة الدساتير. فيوجد، من ناحية، الرغبة في أن يعكس الدستور مهام الدولة الحديثة ووظائفها، ولكن لا توجد، من ناحية ثانية، الرغبة بأن يكون هناك تطبيق مباشر لما يتضمنه الدستور.
وتُطرح بالطبع هنا المشكلة بشكل مختلف تبعا لإمكانية التقاضي إلى الدستور بشكل عام. فإمكانيات اللجوء إلى القضاء من أجل المطالبة بالحقوق التي نص عليها الدستور، ليست متشابهة في كل مكان، ولا تطرح، بشكل حاد، المشكلة التي نحن بصددها، إلا في الدول التي طورت نظام الرقابة القضائية في مجال تطبيق الدستور.
فقد ترك بعض المشرعين الدستوريين، مع قبولهم بالحقوق الاجتماعية، للمحاكم المختصة مسؤولية حل مشكلة التقاضي أمامهم 14. واتخذ بعضهم الآخر، بعض الإجراءات التي تحد من إمكانيات تقديم الشكاوى التي يكون محورها النصوص الاجتماعية.
وهناك طريقة للوصول إلى هذه النتيجة، ألا وهي استخدام الأساليب التي لا تتحدث عن الحقوق الفردية والشخصية، أو عن نصوص لا تصرح بشكل عام عن نشاط من نشاطات الدولة أو عن وظيفة من وظائف الدولة 15، أو عن تفويض إلزامي للمشرع، وهناك طريقة أخرى، ألا وهي عدم القبول القطعي للشكاوى التي يكون مبررها الأساسي نصوصا اجتماعية، والمثال الواضح في هذا الخصوص، هو الفقرة 3 من المادة 48 من مشروع الدستور الإسباني 16: "يستلهم المشرع، والاجتهاد القضائي، والسلطات العامة من المبادئ المعترف بها، والتي يحرمها ويحميها الفصل الثالث 17. ولا يمكن الادعاء بهذه المبادئ أمام القضاء العادي إلا اعتمادا على إجراءات نصت عليها القوانين التي تضعها موضع التنفيذ" 18.
وتقسم هذه القاعدة، الحق الاجتماعي إلى عنصرين: عنصر منهجي، وعنصر يسمح بالتقاضي مباشرة. ويلزم العنصر المنهجي المشرع العادي، ولكن ليس هناك عقوبة قضائية في حال عدم تنفيذ الواجب. فلا يحق لأحد أن يعتمد مباشرة على مطالب محددة خاصة بضمان دستوري، ولكن يمكن، تبعا لقرار يعتمد على بعض القيم، الاحتجاج قضائيا، وفي بعض الظروف، بحق اجتماعي يحميه الدستور. ومن الممكن أن يؤثر هذا الحق على اجتهادات المحاكم، وبخاصة فيما يتعلق بتفسير القوانين، أو أية نصوص دستورية أخرى. ولنضرب مثالا عمليا: فقد تم الاحتجاج بالحق في الصحة 19، في الاجتهاد القضائي الإيطالي، وذلك للحد من الحق في الإضراب الذي يضمنه أيضا الدستور 20، وبشكل يجعل من الإضراب في المرافق الصحية إضرابا غير قانوني 21.
ثالثا
الجانب المتساوي
تنص الدساتير الحديثة، والاجتهاد القضائي على مبدأ العدالة مع وجود عدة أمثلة توضح مدى تطبيق هذا المبدأ، ويمكن مع ذلك، إلغاء الفروق التي نجدها في الحياة العملية تبعا للأحكام التي يصدرها القاضي. وينطبق هذا القول على موضوع الحقوق الاجتماعية؛ فلا يمكن غالبا تحقيق العدالة إلا من خلال مجموعة من الإجراءات التشريعية والإدارية. فإذا كان يدخل في صلاحيات المحاكم أن تُلزم الدولة باتخاذ الإجراءات الخاصة من أجل تحقيق مبدأ العدالة، فلأن ذلك سيجعل من هذا المبدأ عنصرا هاما من أجل الإصلاح الاجتماعي. وخير مثال على ما نقوله هو الاجتهاد القضائي الأمريكي فيما يخص عدم تساوي الفرص في النظام التعليمي 22. ونستطيع، في نفس النطاق، أن نتصور بأن بمقدور المحاكم أن تخفف من وضع حالة غير محتملة بسبب عدم وجود تساوي في الحصول على الخدمات الطبية.
القسم الثالث
ضمان الحق في الصحة في النظام العالمي
هل يسهم القانون الدولي، أو يستطيع أن يسهم في إيجاد الشروط القانونية التي تسمح للإنسان بالتمتع بأفضل حالة صحية؟ وهل يلزم القانون الدولي الدول على احترام بعض عناصر الحق في الصحة؟ تقودنا هذه الأسئلة، وكما هو الحال بالنسبة للقانون الداخلي، إلى مشكلات حماية حقوق الإنسان. ويُعّد تطوير الحماية الدولية لحقوق الإنسان من أهم المنجزات في القانون الدولي المعاصر.
وتهدف، وبشكل مختصر، هذه المحاضرات، إلى إيضاح هذه التطورات فيما يخص الحق في الصحة. وسنبدأ بدارسة المصادر الرئيسية للقانون الدولي، ألا وهي: المعاهدات، والعرف، والمبادئ العامة للقانون.
أولا
المعاهدات
1- الجانب السلبي
ضمن، فيما يخص هذا الجانب، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الحق في الصحة 23، والسلامة الجسدية والعقلية، وتنص المادة 7 على ما يلي: " لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، وعلى وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر".
ونجد مواد مشابهة في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. فتنص المادة 2 على الحق في الحياة، وتمنع المادة 3 التعذيب والعقوبات والمعاملات اللاإنسانية أو المهينة، وقد ذكرت المادة الأخيرة، عدة مرات، فيما يخص الحق في الصحة، حيث ادعت بعض الشكاوى الخاصة بمعاملة المسجونين بأن العناية الطبية غير كافية 24. كما استندت مجموعة من الشكاوى المتعلقة بشروط الحياة في المشافي العقلية إلى المادة 3 25 *****. ويجب أن نذكر بأن الاتفاقية الأوروبية تنص أيضا على أن حماية الصحة من الشروط التي تحد من ممارسة الحقوق المضمونة 26.
وتتضمن الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان بعض النصوص المشابهة، ولكن مع المزيد من التفاصيل 27.
ونصت عدة مواد من اتفاقيات جنيف لعام 1949 28 على احترام السلامة الجسدية والعقلية في وقت النزاع المسلح، وكذلك اللحقان الإضافيان لعام 1977 29. والنص الكامل في هذا الخصوص هو المادة 11 من اللاحق الأول والتي تحرم أي اعتداء على السلامة الجسدية والعقلية للأفراد المحرومين من حريتهم، أو الذين وقعوا في أسر أعدائهم (وبخاصة سكان الأراضي المحتلة)، وتحريم التجارب الطبية، الذي تنص عليه هذه المادة، هو أكثر شمولا مما تنص عليه المادة 7 من العهد الدولي، ولا يبرر، في هذه الحالة، الرضى الشخصي، إجراء مثل هذه التجارب، كما حُرم أخذ الأعضاء أو النسج من أجل إعادة زرعها.
ونجد مواد تنص على ضمانات، ولكنها تسمح مع ذلك، بنقل الدم أو إعطاء الجلد 30.
2- الجانب الإيجابي
أ- نصوص تنظيمية عامة
لقد نصت، وفيما يتعلق بالجانب الإيجابي، ديباجة دستور منظمة الصحة الدولية على الحق في الصحة. ويعترف العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 31: "بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسدية والعقلية يمكن بلوغه"، ويلزم الدول الأطراف في العهد، بهدف تحقيق هذا الهدف، بما يلي:
"أ- خفض معدل المواليد وموتى الرضّع وتأمين نمو الطفل نموا صحيا؛
ب- تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية؛
ج- الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها؛
د- تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض".
وينص أيضا الميثاق الاجتماعي الأوروبي على الحق في الصحة 32، وعلى الحق في الضمان الاجتماعي، والمساعدة الاجتماعية والطبية، وكذلك حق المعوقين في إعادة تأهيلهم المهني والاجتماعي 33.
ولا تخلق هذه النصوص القانونية حقوقا شخصية 34، إنها عبارة عن برامج عامة بحاجة لأن توضع موضع التنفيذ، وأن تنفذ من قبل المشرع والإدارة الوطنية. وهذا ما أوضحته المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تنص على أن تتعهد الدول الأطراف المتعاقدة "بأن تتخذ بمفردها وعن طريق المساعدة والتعاون الدوليين وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة، ما يلزم من خطوات لضمان التمتع الفعلي والتدريجي 35 بالحقوق المعترف بها في هذا العهد، سالكة إلى ذلك جميع السبل المناسبة، وخصوصا سبيل اعتماد تدابير تشريعية".
فتسعى الحقوق التي نص عليها العهد إلى تحقيق هدف أكثر من كونها حقوقا مكتسبة. كما ينحو نص الفقرة التمهيدية للجزء الأول من الميثاق الاجتماعي الأوروبي نفس المنحى. وتعّد هذه النصوص، نصوصا تنظيمية عملية، على أنها تفتقر إلى عقوبات تطبق في حال مخالفتها. فيعتمد كل من العهد والميثاق الاجتماعي على نظام مرّن للعقوبات أصبح يُنظر إليه كعرف في الكثير من الوثائق الدولية، ونقصد به نظام التقارير 36. فتتعهد الدول الأطراف، وبمقتضى المادة 16 من العهد: "بأن تقدم،...، تقارير عن التدابير التي تكون قد اتخذتها وعن التقدم المحرز عن طريق ضمان احترام الحقوق المعترف بها في هذا العهد" 37. ومن الممكن دراسة هذه التقارير من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ولجنة حقوق الإنسان 38 ******، ولكن لا يتمخض عادة عن هذه الدراسة إلا توصيات ذات صفة عامة 39. وتتجنب الدول، في هذه الحالة، أن تشجب أية نتيجة غير مرضية فيما يتعلق بتشجيع الحقوق التي ينص عليها العهد.
ومن الممكن أن تفضي دراسة التقارير، والتي تهيئ اعتمادا على الميثاق الاجتماعي الأوروبي 40، عن نتائج أكثر عملية. فتدرس هذه التقارير لجنة خبراء مستقلة، ويقوم مجلس أوروبا 41 ******* بنشر نتائج هذه الدراسة 42، وتستطيع الجمعية الاستشارية أن تبدي رأيها في هذه التقارير، وتستطيع لجنة وزراء مجلس أوروبا "...أن توجه كل التوصيات الضرورية لكل الأطراف المتعاقدة" 43 وتتصف عمليا نتائج لجنة الخبراء بالجدية، فد جهزت أسئلة خاصة بهذه الدراسة، وتصر عادة أن تكون على إطلاع وعلم بشكل دقيق وشامل، ويعبر عن كل انتقاد بشكل واضح وذلك في "النتائج" وبخاصة فيما يتعلق بالدول المعنية، وكثيرا ما تتردد لجنة الوزراء، كهيئة سياسية، فيما يتعلق بتصريحاتها الخاصة بضرورة تنفيذ الالتزامات المنبثقة عن الميثاق الاجتماعي.
وتعتمد فعّالية نظام التقارير، وبشكل كبير، على تفاصيل الإجراءات، وبخاصة صلاحيات لجان الرقابة، حيث توضح الاختلافات الصعوبة التي توجد في هذا المجال. ولكن يُعّد، هذا النظام، بشكل عام، عنصرا إيجابيا في آلية العقوبات الدولية التي تتميز، للأسف، بضعفها 44.
ب- نصوص أكثر واقعية
لم تقتصر مهمة المجتمع الدولي على تحديد نطاق عام للحقوق الاجتماعية، تاركا لقوانين كل دولة تنظيم هذه الحقوق. ويجب أن نعيد للأذهان، فيما يتعلق بالحق في الصحة، القواعد التي سبق أن حضرتهم منظمة العمل الدولية، ومنظمة الصحة الدولية، ومنظمة مجلس أوروبا. ونذكر مثلا، وتجنبا للدخول في العديد من التفاصيل، بالاتفاقية رقم 20 الخاصة بالنظافة في مجال التجارة والإدارة، والتي أعدتها منظمة العمل الدولية 45، وبالاتفاقية رقم 121 الخاصة بما يجب القيام به فيما يتعلق بحوادث العمل والأمراض المهنية، وكذلك الاتفاقية 130 الخاصة بالمعالجات الطبية وبتعويضات المرض (والتي طورت الاتفاقية رقم 102 الخاصة بالضمان الاجتماعي). ونذكر فيما يخص منظمة الصحة الدولية 46، بنظام الصحة الدولي. ونذكر فيما يخص مجلس أوروبا 47، بمدونة الضمان الصحي، وبخاصة أنها تنص على ضمانات أساسية بهدف أن يتلقى كل شخص العناية الطبية التي هو بحاجة إليها 48.
وعلى الرغم من وجود التفاصيل الخاصة بالاتفاقيات التي سبق أن تطرقنا إليها آنفا، فإن هذه الاتفاقيات لا تمنح أية حقوق فردية إلا عن طريق التشريعات الوطنية لكل دولة، وحتى في البلدان التي تُعّد فيها هذه الاتفاقيات جزءا من القانون الداخلي، وليس هناك أي مجال لتقديم شكوى اعتمادا على هذه الاتفاقيات، حيث تعتمد دائما الحقوق الفردية على التشريع الداخلي الذي يسمح بتنفيذ الالتزامات الدولية، ويبقى المعيار الدولي في حقيقته برنامجا بحاجة للتنفيذ. والعقوبة التي ينص عليها هذا البرنامج هي، من حيث المبدأ، نفس ما تنص عليه الاتفاقيات العامة ألا وهو: نظام التقارير. فيجب على أعضاء منظمة الصحة العالمية، بمقتضى المادة 22 من دستور المنظمة، تقديم تقارير سنوية عن وضع مواد الاتفاقيات التي انضمت إليها، موضع التنفيذ. واعتمدت منظمة العمل الدولية في العشرينيات، وفي نطاق تطبيق هذه المادة، نظاما للرقابة من الممكن اعتباره نظاما فعّالا 49. واعتمدت أيضا، منظمة الصحة العالمية، نظام التقارير، بمقتضى الفصل الرابع عشر من دستورها.
ومن الممكن أن تؤدي دراسة التقارير، في حالة المدونة الأوروبية للضمان الاجتماعي، إلى عقوبات محددة. فلجنة وزراء مجلس أوروبا "تبين...فيما إذا كان كل طرف متعاقد قد احترم الالتزامات التي سبق أن قبل بها بمقتضى المدونة 50.
ويجب أن نضيف هنا بأنه قد يبدو متناقضا، فيما يخص الحق في الصحة، وفي نطاق النزاع المسلح، إذا قلنا: بأن الأساس القانوني للحق في الصحة هو أكثر جدية في حالة الحرب منه في حالة السلم، وما ذلك إلا بفضل اتفاقيات جنيف واللحقين الإضافيين، حيث ينظر إليهم بجدية أكبر فيما يتعلق بالالتزامات الملقاة على عاتق الدول، ولأن هذه الاتفاقيات (وليس اللحقان) معترف بهم عالميا، وما ينص عليه اللحقان من أن ما جاء في "اتفاقيات جنيف" يضمن لكل جريح أو مريض الاستفادة من الخدمات الطبية التي تتطلبها حالته 51. ومن الطبيعي أن تتحفظ بعض الدول النامية على هذا الحق، مما استدعى تضمين مواد اللحقين، والمتعلقة بهذا الخصوص، جملة "كلما أمكن ذلك" 52. ويجب أن نشير هنا إلى أن هذه المواد لا تحدد مستوى الخدمات التي يمكن أن تؤدي على المستوى الوطني، والذي يمكن أن يكون بحد ذاته متدنيا. ويجب أن تقوم الدولة المعنية بكل ما بوسعها من أجل تحسين هذا الوضع المتدني. ونضيف هنا بأن الخدمات الطبية، في حالة النزاع المسلح، هي في معظم الأحيان موضع تعاون دولي تحت إشراف لجنة الصليب الأحمر، وهو ما يقودنا للحديث عن النصوص المكملة التي نص عليها تقنين جنيف والمتعلقة بمعالجة الجرحى والمرضى: من حماية واحترام لمن يقوم بهذه المعالجة، وكذلك لوحدات ووسائل النقل الصحي، مما لا يعني فقط تحريم مهاجمتها، ولكن يعني أيضا تأمين بعض الضمانات لأولئك الذين يقومون بوظائفهم في هذا الخصوص 53.
3- الجانب المتساوي
يُعّد أيضا هذا الجانب جزءا من بعض الاتفاقيات التي سبق أن تطرقنا إيها. ويجب أن نميز، في هذا الخصوص، بين فرعين: الأول عدم التمييز في التمتع بالحق في الصحة داخل دولة ما. ثانيا الفرق الموجود فيما يتعلق بمستوى حماية الصحة بين مختلف مناطق وبلدان العالم.
لقد أشارت ديباجة منظمة الصحة العالمية إلى هذين الفرعين: فالفرع الأول يتعلق بضرورة تحقيق المساواة التي نصت عليها النصوص الداخلية في كل دولة. فيشير دستور منظمة الصحة العالمية إلى الحق في الصحة كحق من حقوق كل كائن بشري "مهما كان عرقه، أو دينه، أو آرائه السياسية، أو وضعه الاقتصادي، أو الاجتماعي". والفرع الثاني خاص بالتنمية وبضرورة وجود مساعدة تضامنية من أجل تخفيف الفروق التي توجد بين الدول المتقدمة والدول النامية. ويشير دستور منظمة الصحة العالمية إلى أن: "عدم وجود المساواة بين مختلف البلدان فيما يتعلق بتحسين الصحة ومكافحة الأمراض، وبخاصة الأمراض المعدية، هو شر يخص الجميع".
وفيما يتعلق بوثائق دولية أخرى، فتحظر الفقرة 2 من المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أي تمييز في ممارسة الحقوق المنصوص عليها في العهد، وتتضمن اتفاقيات جنيف نصوصا تمنع التمييز 54.
على أن هناك مشكلة خاصة ألا وهي التمييز القائم على أساس الجنسية، بمعنى آخر، السؤال المطروح هنا خاص بحق الأجانب بالتمتع بالحقوق الاجتماعية على قدم واحد من المساواة مع مواطني الدولة، ويُعّد هذا السؤال، سؤالا هاما في مجتمع يقوم على التعاون والتضامن.
ويجب الإشارة إلى أن الفقرة 3 من المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تنص على شرط يعفي من التزام معين يحق للدول النامية أن تستفيد منه، فليست هذه الدول ملزمة، بمنح الحقوق المعترف بها في العهد، لغير المواطنين بلا استثناء. وتنص، من ناحية ثانية، المادة 32 من اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 130، على وجوب عدم التمييز لغير المواطنين المقيمين أو العاملين في أراضي دولة ما. وتهتم اتفاقية خاصة لمنظمة العمل الدولية ورقمها 11، بموضوع المساواة بين المواطنين وغير المواطنين، فيما يتعلق بالضمان الاجتماعي. وتُعّد، في هذا الخصوص، مسألة المعاملة بالمثل، جد هامة، وتحيل المدونة الأوروبية للضمان الاجتماعي، موضوع المساواة في معاملة الأجانب إلى اتفاقية خاصة 55.
ثانيا
القانون العرفي
تضمن الاتفاقيات، التي سبق أن أشرنا إليها، الحق في الصحة بشكل ملفت للنظر، ولكن لم يتم التصديق على هذه الاتفاقيات بشكل إجماعي، من قبل دول المجتمع الدولي، باستثناء اتفاقيات جنيف. والسؤال المطروح إذن هو السعي لمعرفة ما إذا كان يتضمن على الأقل، القانون العرفي الذي يطبق على كل الدول، بعض الضمانات الأساسية التي لها أثر يعادل أثر هذه الاتفاقيات.
1- القانون الداخلي كعنصر مكون للعرف الدولي؟
يتطلب اعتماد قاعدة عرفية توافر شرطين: تعامل مستمر بين الدول، ورأي قانوني مطابق 56. وحتى لو أثبتنا أن تعاملا قانونيا مستمرا بين الدول يحمي، في قانونها الداخلي، بعض حقوق الإنسان، فإن ذلك لا يُعّد كقاعدة عرفية تلزم الدول بضمان هذه الحقوق، إلا إذا ثبت بأن هذه الدول تمنح هذه الضمانات لقناعتها بأنها ملزمة بها قانونيا، ولكن يصعب تحقيق هذا الإثبات فيما يتعلق بحقوق الإنسان 57.
2- الجانب السلبي
نستطيع أن نستخلص، فيما يتعلق بهذا الجانب للحق في الصحة، أو بمعنى آخر التحقق من واجب الدولة بالامتناع عن كل إساءة للسلامة الجسدية والعقلية، بأن نواة هذا الحق محمية في القانون العرفي، حيث نعثر على عدة دلائل في هذا الخصوص. يحرم التعذيب والاعتداءات الخطيرة على السلامة الجسدية والعقلية، تبعا لما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 58، سواء صادقت الدولة المعنية على اتفاقية تتعلق بهذا التحريم أو لا 59. ولكن تبقى حدود هذه الحماية مبهمة، فما هي التدخلات المسموح بها، والتي تنال عادة من السلامة الجسدية؟ ولنأخذ مثالا على ذلك، سحب الدم الإجباري من أجل التحقيقات القضائية، وأساليب الضغط الممارسة أثناء التحقيقات، ومعاملة مدمني المخدرات، والضغوط الجسدية التي تمارسها الشرطة الخ 60.
3- الجانب الإيجابي
مما لاشك فيه، بأنه لا توجد قاعدة إلزامية، فيما يتعلق بهذا الجانب، حيث تلزم الدولة بضمان الحق في الصحة، وخير دليل على ذلك هو بعض الاتفاقيات التي سبقت الإشارة إليها، وبخاصة نظام الاختيار الذي نصت عليه، فليس من الضروري التصديق على كل مواد هذه الاتفاقيات، والدول حرة بالتصديق على بعض هذه المواد دون بعضها الآخر، وهو ما ينطبق على الميثاق الاجتماعي الأوروبي، وعلى المدونة الأوروبية الخاصة بالضمان الاجتماعي، وعلى اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 118، أما فيما يتعلق باتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقم 121، و130، فإن الأطراف المتعاقدة حرة في استبعاد بعض فئات الأشخاص من مجال تطبيق هاتين الاتفاقيتين، ويمكن تفسير ذلك بصعوبة، وذلك لمعرفة ما إذا كانت الدول على دراية، حين تم اعتماد هذه الاتفاقيات، بأنها ملزمة، بمقتضى القانون العرفي، بضمان هذه الحقوق.
وهذا هو الوضع الحالي، وإن لم يكن هناك أية قاعدة عامة في هذا المجال 61. فإذا تعددت التصديقات، وإذا خفت الاستثناءات، فمن الممكن أن يُنظر للأمر من وجهة نظر مختلفة، ولكننا لم نصل بعد إلى هذا الوضع، فالأمر غير مرض فيما يخص حالة التصديق على الاتفاقيات التي سبقت الإشارة إليها. فقد صدقت على الميثاق الأوروبي أكثر من نصف الدول التي قبلت بالانضمام إليه 62،
وعدد التصديقات بالنسبة لبقية الاتفاقيات لا يزال محدودا 63 ********، وبالنسبة للاتفاقيات التي تسمح بالتصديق الجزئي عليها، فإن التصديق الكلي على نصوصها لا يزال هو الاستثناء 64.
ثالثا
المبادئ العامة للقانون
المصدر الثالث والأخير هو المبادئ العامة للقانون المعترف بها من قبل الدول المتمدنة 65 *********، حيث نطبق المبادئ المعترف بها في النظام الداخلي للدول على الصعيد الدولي، ولنضرب مثالا على ذلك: منع التعسف في استعمال الحق. فالنسبة للمبادئ العامة، يجب ألا نثبت وجود رأي قانوني، ويطبق مع ذلك مبدأ عام بشكل مستمر في العلاقات الدولية يمكن أن يصبح قاعدة عرفية، مما يعني بأننا نلجأ للمبادئ العامة عندما يضطر القانون الدولي لمواجهة حالة جديدة في الوقت الذي لم تتطور فيه قاعدة عرفية مع وجود مبادئ في القانون الداخلي يمكن تطبيقها على حالات متشابهة.
هل يمكن تطبيق هذه الطريقة على حقوق الإنسان؟ وهل الدول ملزمة باحترام بعض حقوق الإنسان كمبادئ عامة لأن هذه الحقوق معترف بها في القانون الداخلي؟ نستطيع القول بأن الاجتهاد القضائي أجاب بالإيجاب على هذه الأسئلة 66. ولكن هذه الخطوة التي تحققت في القانون الداخلي، والتي أصبح لها بُعدا عالميا، لا يُسمح بها إلا إذا كان هناك بالفعل حالات متشابهة. ويبقى هناك فرقا كبيرا بين ضمان حقوق الإنسان داخل الدول وبين الالتزام الدولي بمنحها. فحين يوجد التزام دولي، يوجد معه احتمال يسمح لدولة ثالثة بالحرص على احترام هذا الالتزام، لذلك أشك بأن ضمان بعض حقوق الإنسان والحقوق الاجتماعية يكون ملزما بمقتضى مبدأ عاما 67. فلا يتم تطوير الحقوق الاجتماعية على المستوى الدولي من خلال التعامل الداخلي للدول، ولكن بفضل التعامل الدولي.
رابعا
القانون الدولي في مرحلة التطور
وصف القانون الدولي المعمول به حاليا هو أمر عارض، فقد تم التغافل عن العنصر الديناميكي، ويتميز، مع ذلك، القانون الدولي المعاصر بتنوعه. فقد طرأت عليه تطورات سريعة، ولا يعود ذلك فقط لاعتماد الاتفاقيات التي سبق أن تعرضنا لوصف بعض عناصرها، ولكن يعود أيضا تطور القانون إلى الطرق الجديدة لتكوين الوعي الدولي الذي له تأثير على تصرفات الدول. وقد تم اعتماد هذا التطور في نطاق المنظمات الدولية، ومع أن القيمة القانونية الفعلية لهذا الأسلوب، المتصف بمفاهيم مثل القانون المرّن، أو القانون المباشر، هو عرضه للخلاف، فلا نستطيع، مع ذلك إنكار حقيقة وجود هذا الأسلوب الذي يعمل على تطوير النظام القانوني الدولي.
ويستطيع هذا القانون المرّن الذي تم اعتماده بفضل قرارات المنظمات الدولية أن يواكب ويدعم القانون التعاقدي، كما أن بإمكانه المساهمة في تكوين القانون العرفي. ويعود الفضل إلى قسم كبير من التطورات الخاصة بحقوق الإنسان، إلى نشاطات المنظمات الدولية. فقد أشارت إلى الجانب السلبي للحق في الصحة بعض قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما أن عددا كبيرا من قرارات منظمة الصحة الدولية 68، ومنظمة العمل الدولية 69، قد عالجت مسائل خاصة من الجوانب الإيجابية والمتساوية.
وإذا كان سوء التغذية يشكل سببا خطيرا للمعاناة الإنسانية، فتُعّد أعمال منظمة التغذية والزراعة هامة أيضا في مجال الحق في الصحة. ويجب الإشارة، في هذا الخصوص، إلى إعلان القضاء النهائي على الجوع والتغذية الذي اعتمده المؤتمر الدولي للتغذية عام 1974، والذي اعتمدته فيما بعد، الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 3345/29. وقد تناولت الجمعية العامة بالبحث أيضا بعض الجوانب الخاصة بالحق في الصحة، وبشكل خاص مشكلة الأشخاص ذوي الإعاقة 70. أما فيما يتعلق بمبدأ الحق في الصحة، فيجب الانطلاق من الحقوق الاجتماعية التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث تنص الفقرة 1 من المادة 25 منه على ما يلي: "لكل شخص حق في مستوى معيشية يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه".
كما يُعّد أيضا الحق في الصحة أحد الأهداف التي نص عليها إعلان التقدم والتطور الاجتماعي تاريخ 11/12/1989 71: "تحقيق أعلى المستويات في نطاق الصحة وحماية صحة كل الشعوب بالمجان إذا أمكن".
ولم يكن الحق في الصحة موضوع إعلان خاص، ولعل هناك أيضا مجال عمل من أجل الإشارة، بشكل أفضل، إلى هذا الجانب من الرفاهية الإنسانية.
الخاتمة
إذا أردنا أن نلخص وضع الحق في الصحة في القانون الدولي، للاحظنا بأن الجانب السلبي لهذا الحق متغلغل في هذا القانون. أما الجانب الإيجابي، فهو عبارة عن برنامج قانوني إلزامي في مرحلة التكوين. ولم تحظ بعد المعاهدات التي تنص على هذا البرنامج بالتصديق، ولكن خطوات حثيثة تسعى لتحقيق ذلك. ويُعّد البرنامج القانوني الإلزامي، والقواعد المبرمجة والديناميكية من المفاهيم الجديدة في القانون الدولي 72. حيث يقتصر القانون الدولي التقليدي، من جهته، على تحديد قواعد تصرفات الدول بشكل واضح ومحدد، أما القانون الدولي المعاصر، فهو يتضمن العديد من القواعد المرنة والتنظيمية، وربما يتأسف القانونيون (التقليديون) لهذا الوضع، حيث يفضلون القواعد التي تطبق بوضوح، والتي تسمح بالإجابة بـ (نعم)، أو (لا)، عن السؤال الذي يبحث عما إذا كان هناك مخالفة لقانون ما في حالة معينة. وبما أن الدساتير الوطنية قد طورت القواعد التي يكون التقاضي إليها جد محدود بهدف تحقيق الآمال الاجتماعية. ويقوم القانون الدولي المعاصر، وبعد أن قبل بهذه النصوص المبرمجة، بدور تشجيع الحقوق الاجتماعية على المستوى الدولي. ومن الممكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك في مجال المقارنة، فتضمين الدساتير على نصوص اجتماعية تساعد على تأكيد شرعية الدولة: فالدولة تبرر وجودها بواجبها بحماية الضعفاء، وبتشجيع أوضاعهم وتحسينها، حيث ينص دستورها على ذلك. أفلا يجب إذن أن يبرر النظام القانوني الدولي وجوده، هو الآخر، بقبول القواعد الديناميكية، وباعتبارها جزءا من قواعده، ومنها مشكلة الضعفاء، وبالعمل على حماية حقوقهم الاجتماعية، حيث يحتل الحق في الصحة مكانة هامة من بين هذه الحقوق؟
(*) نشر مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان في اليمن، وبالتعاون مع المعهد الدولي لحقوق الإنسان في ستراسبورغ بفرنسا، كتابا بعنوان: ترجمات في الحماية الدولية لحقوق الإنسان وذلك في عام 2000. وتضمن هذا الكتاب مجموعة من الدراسات والمحاضرات والمقالات التي قُمت بترجمتها إلى اللغة العربية. وكنت قد اقترحت على إدارة المعهد الدولي، وفي نطاق تدريس حقوق الإنسان وتعليمها باللغة العربية في دورات المعهد، ترجمة مجموعة من المحاضرات والدراسات ووضعها تحت تصرف قراء العربية من الطلبة والدارسين والباحثين والمهتمين بقضايا حقوق الإنسان. وكان من بين هذه الترجمات سلسلة محاضرات عن الحق في الصحة (ص 93 وما بعدها)، ألقيت على المشاركين بدورة 19 للمعهد الدولي لحقوق الإنسان صيف عام 1988. وارتأيت أن أعيد نشر إحدى هذه المحاضرات والمتعلقة بالحق في الصحة ووضعها مجددا تحت تصرف قراء العربية وبخاصة في هذه الظروف الصحية التي يمر بها العالم بسبب وباء (كورونا-19). وانتهز الفرصة لأشيد بالتعاون بيني وبين مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان والذي يستمر منذ عدة عقود، وكان من بين ثماره إحصاء العديد من كتبي ودراساتي من بين منشوراته. وألفت النظر إلا أنني لم أتدخل في مضمون المحاضرة، ولكني قمت بوضع بعض الإضافات في هوامشها وبجانب كل إضافة نجمة أو أكثر لتواكب آخر التطورات والمستجدات، أو فيما يتعلق بما صدر من دراسات ومؤلفات جديدة لها علاقة بمضمون هذه المحاضرة. وألفت النظر أخيرا إلى ضرورة أخذ السياق التاريخي للمحاضرة التي ألقيت عام 1988، بعين الاعتبار، ولو أن الخطوط الرئيسية والمضمون العام للمحاضرة لم يتأثر بعد انقضاء قرابة ثلاثة عقود على تقديمها، وهو ما دفعني لإعادة نشرها في الظروف الحالية التي يعرفها العالم بخصوص هذا الوباء.
انظر، محمد أمين الميداني، ترجمات في الحماية الدولية لحقوق الإنسان، الطبعة الثانية، منشورات مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، تعز، 2005.
ويمكن الكتابة للحصول على نسخة إلكترونية مجانية من هذا الكتاب بصيغة (PDF) على العنوان التالي:almidani@acihl.org أ. د. محمد أمين الميداني.
عنوان المحاضرات بالفرنسية:
Les conceptions fondamentales du droit à la santé : le point de vue juridique. 19ème Session d’Enseignement. Institut International des Droits de l’Homme, Strasbourg, 4-29/7/1998.
المؤلف:
Dr. Michael BOTHE. Professeur à la Faculté de Droit. Université Johann Wolfgang Von Goethe, Francfort-sur-le-Main, Allemagne.
الدكتور مايكل بوث. بروفسور في كلية الحقوق، جامعة يوهان فولفغانغ فون غوته، فرانكفورت، ألمانيا.
[1] المادة 2.
[2] التعديل الثامن.
[3] المادة 96.
[4] راجع مثلا: المادة 18 من دستور الأرجنتين (1853)، المادة 21 من دستور الأورغواي (1870)، المادة 10 من دستور بوليفيا (1880).
[5] انظر:
Ch. Thomasius, Dissertatio de tortura ex foris Christianorum proscribenda, in Ermacora, Menschenrechte in der sich wandelnden Welt, vol. 1 (Vienne, 1974), pp. 94 ss.
[6] راجع قائمة الدساتير التي عرضناها في:
Stavropoulos, Das Verbot der Folter und der unmenschlichen Benhandlung oder Strafe im gegenwrtigea Vlkerrecht, thèse, Heidelberg, 1976, annexe.
[7] انظر:
G. Brunner, Die Prolematik der sozialen Grundrechte, Tübingen, 1971, pp. 6 ss.
[8] ليس بالإمكان إعطاء قائمة شاملة بالنصوص الدستورية المتعلقة بهذا الخصوص، ولكن تنص دساتير الدول المذكورة آنفا على الحق في الصحة: أفغانستان (المادة 26)، أكوادور (المادة 149(2))، ألبانيا (المادتان 25 و29)، أفريقيا الوسطى (الديباجة)، الإمارات العربية المتحدة (المادة 19)، الأورغواي (المادة 44)، إيرلندا (المادة 45 (14))، إيطاليا (المادة 32)، البحرين(المادة 8)، البرتغال (المادة 64)، برماني (المادتان 149 و151)، بنغلادش (المادة 18)، بوروندي (المادتان 3 (5) و60)، بوليفيا (المادة 7 (أ-ب))، تشيكوسلوفاكيا (المادتان 15 و23)، تونس (الديباجة)، الجزائر (المادة 67)، ألمانيا الديمقراطية (المادة 35)، جمهورية الدومنيكان (المادة 8 (17))، رومانيا (المادة 13)، سلفادور (المادة 205 وما بعدها)، السودان (المادة 21)، سورية (المادة 46)، شيلي المادة (10 (16))، الصومال (المادة 33)، غابون (المادة 1 (15))، فرنسا (الديباجة)، فنزويلا (المادة 67)، فيتنام (المادة 32)، الفلبين (القسم 7)، قطر (المادة 7 (و-هـ))، كوبا (المادة 49، كوريا الشمالية (المادة 58)، الكويت (المادة 26)، هايتي (المادة 184)، الهند (المادة 47)، هنغاريا (المواد 17، و57، 58)، اليونان (المادة 21 (3))، اليابان (المادة 25)، اليمن (المادة 23)، اليمن الديمقراطي (المادة 49)، يوغسلافيا (المادة 186). كما أن الصيغ التي تضمنتها هذه الدساتير كانت جد متنوعة، فبعضها صيغ على شكل حق شخصي، وبعضها الآخر كان خاصا بهدف تسعى الحكومة إلى تحقيقه. ونستطيع أن نستشهد بمثال خاص وهو ما نص عليه دستور الأورغواي من مسؤولية شخصية خاصة بالصحة، وسنرى لاحقا ما نص عليه دستور الاتحاد السوفيتي.
كما أن بعض الدساتير تهتم بجوانب خاصة بالحق في الصحة، كالمساعدة والضمان الاجتماعي: الأرجنتين (المادة 14 (14))، الأكوادور (المادة 149 (1))، الإمارات العربية المتحدة (المادة 16)، إندونيسيا (المادة 34، بوركينا فاسو (المادة 17)، البرتغال (المادة 93)، تركيا (المادة 48)، رومانيا (المادة 20، غواتيمالا (المادة 141)، غينيا الاستوائية (المادة 29)، الصومال (المادة 37)، سيرلانكا (المادة 16 (18))، مالي (المادة 31)، مصر (المادة 71)، المكسيك (المادة 123-أ-2)، منغوليا (المادة 79)، كوبا (المادة 46 وما بعدها)، كوستاريكا (المادة 73)، كوريا (المادة 30)، الكويت (المادة 11)، هندوراس (المادة 124 (7))، يوغسلافيا (المادة 161). واهتمت بعض الدساتير بصحة العامل: البرازيل (المادة 165 (9 و15)، الصين (المادة 27 (2))، اللكسمبورغ (المادة 11 (5)). واهتمت أخرى بالتربية والصحة الجسدية: ألمانيا الديمقراطية (المادة 18 (3))، سورية (المادة 23)، الكونغو (المادة 24)، اليمن الديمقراطي (المادة 28).
(****) لقد تبدلت الأوضاع الجغرافية والسياسية في العديد من البلدان التي تم ذكرها آنفا، والإحالة إلى دساتيرها. فقد انقسمت تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين: دولة الشيك، وسلوفانيا، ولم تعد موجودة دولة ألمانيا الديمقراطية فقدتم توحيد شطري ألمانيا في دولة فيدرالية واحدة، وانفض عقد الاتحاد السوفيتي إلى عدة دول والحديث اليوم عن الاتحاد الروسي، هذا من ناحية.
وسيكون من المطول جدا، من ناحية ثانية، مراجعة مواد دساتير البلدان التي جاء ذكرها في هذا الهامش، ولعل ذلك لا يهم القارئ العربي بشكل مباشر، لذلك ستقتصر مراجعتنا على دساتير الدول العرية التي جاء ذكرها. وعليه، تم إدخال بعض التعديلات على أرقام مواد هذه الدساتير العربية لتواكب آخر التطورات بتعديل هذه الدساتير أو اعتماد دساتير عربية جديدة. أما الدساتير التي عُدلت موادها أو الدساتير الجديدة، فهي دساتير كل من: تونس دستور عام 2014 (الفصل 38)، والجزائر دستور عام 1996 (المادة 54)، والسودان دستور عام 2005 (المادة 19)، وسورية دستور عام 2012 (المادة 22)، وقطر دستور عام 2004 (المادة 23)، والكويت عام دستور 1962 (أعيد تفعليه 1992) المادة (15)، وليبيا دستور عام 2016 (المادة 57)، ومصر دستور عام 2014 (المادة 79)، واليمن دستور عام 2015 (المادة 106).
أما الدول العربية التي جاء ذكرها في الهامش ولم نشير إليها فيعني ذلك بأن المواد المذكورة من قبل المؤلف لا تزال صحيحة وسارية المفعول، مع الإشارة بأن اليمن أصبحت موحدة ولم يعّد هناك ما كان يُعرف باسم: اليمن الديمقراطي. المترجم.
[9] المادة 45، رقم 4.
[10] المادة 21، الفقرة 2.
[11]المادتان 63، و64.
[12] المادتان 37، و39 من مشروع الدستور.
[13] انظر:
G. Brunner, op. cit., pp. 13 ss ; J. P. Müller, « Soziale Grunderechte in dre Verfassung », Zeitschrift für schweizerisches Rech 92, 1973, II, pp. 839 ss.; Th. Tomandl, Der Einbau sozialer Grundrechte in das positive Recht, Tübingen, 1967, pp. 24 ss.
[14] قاد ذلك إلى عدة مناقشات خاصة بالقيمة النوعية لهذه المشكلة. راجع الفقرة 7، ص 25 وما بعدها، (فيما يتعلق خاصة بفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا). المحكمة الدستورية الإيطالية لها صلاحية مراقبة دستورية القوانين فيما يتعلق أيضا بالحق في الصحة، راجع:
Naso, La Costituzioe italiana nell’interpretazione della Corte constituzionale, Rome, 1971, vol. 2, pp. 780 ss.
[15] المادة 20 من القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية، الفقرة 6 من المادة 2 من مشروع تعديل الدستور، راجع:
J. P. Müller, loc, cit., pp 899 ss. ; Scheuner, « Staatszielbstimmungen », Festschrift für Ernst Forsthoff zum 77, Geburtstage, Munch, 1974, pp. 325 ss.; Expertenkommission für die Vorbereitung eier Tolalrevision des Bundesverfassung, Berich, Berne, 1977, pp. 225 ss.
[16] راجع المادة 48 من دستور إيرلندا، والمادة 17 من دستور سيرلانكا.
[17] والذي تضمن، بالإضافة إلى حقوق أخرى، الحق في الصحة.
[18] ترجمة المؤلف.
[19] المادة 32 من الدستور.
[20] المادة 40.
[21] قرار المحكمة الدستورية بتاريخ 12/12/1977، رقم 40.
[22] انتقل هذا الاجتهاد من تأكيد انحلال مبدأ التمييز في النظام التعليمي في قراره المشهور:
Brown v. Board of Education of Topeka, 349 US 294, 1955.
إلى الإلزام القانوني للتسوية التفصيلية فيما يخص نقل التلاميذ في الباص. راجع في هذا الخصوص، قرارات المحكمة العليا في القضايا التالية:
Swann v. Charlotte-Mecklenburg Board of Education, 402 US 1, 1971, and Milliken v. Bradley, 418 US 717, 1974.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الاجتهاد القضائي لم يطعن فقط في التمييز الذي أساسه العرق، ولكن طعن أيضا في التمييز الذي أساسه، بشكل عام، عدم التساوي بين الأغنياء والفقراء، والذي نجده في النظام التعليمي والذي يعتمد على المعونة المحلية المقدمة إلى المدارس، والفرق الحاصل في الموارد المالية للمدارس تبعا للمناطق الغنية والفقيرة. راجع، في هذا الخصوص، قرار المحكمة العليا في كاليفورنيا، والذي أوضح بأن من واجب الدولة تحقيق العدالة وإلغاء الفروق (Serrano v. Priest, 487 P. 2d 1241, 1971)، هذا من جهة. وراجع، من جهة ثانية، قرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة الذي أنكر هذا الواجب:
San Antonio Independent School District v. Rodriguez, 93 S. Ct. 1278, 1973.
وهناك عدة دراسات فقهية حول هذا الموضوع، راجع مثلا:
Levin, “Recent Developments in the Law of Equal Educational Opportunity”, Journal of Law and Education 4, 1975, pp. 411 ss.
[23] المادة 6.
[24] نستطيع أن نشير، من بين اجتهادات اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان، إلى بعض الشكاوى مثل: الشكوى رقم 1628/82، مجموعة قرارات اللجنة رم 12، ص 16، الشكوى رقم 4340/69.
[25] الشكاوى رقم 6840/74، ورقم 7870/76، ورقم 7099/75، ورقم 6998/75 ضد المملكة المتحدة.
(*****) نذكّر بأنه تم إلغاء نظام اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان كآلية من آليات الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان بفضل البروتوكول رقم 11 المضاف إلى هذه الاتفاقية والذي دخل حيز النفاذ بتاريخ 1/11/1998. المترجم.
راجع في هذا الخصوص:
محمد أمين الميداني، النظام الأوروبي لحماية حقوق الإنسان، الطبعة الرابعة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2014.
[26] المواد 8، و9، 10، و11.
[27] المادة 4 (الحق في الحياة)، والمادة 5 (الحق في معاملة إنسانية)
[28] المادة 12 من الاتفاقية الأولى، والمادة 12 من الاتفاقية الثانية، والمادة 12 من الاتفاقية الثالثة، والمادة 31 وما يليها من الاتفاقية الرابعة.
[29] المادة 11 من اللاحق الأول، الفقرة 2 (و) من المادة5 من اللاحق الثاني.
[30] راجع في هذا الخصوص:
Bothe, « Le sort des blessés et malades : un but fondamental de la Croix-Rouge », Annales d’études internationales, n° 8, 1977, pp. 93 ss.
Bothe, « Die Genfer Konferenz über humanitres Vlkerrech”, ZaRV, n° 35, 1975, pp. 647 ss; Bothe-Ipsen-Partsch, “Die Genfer Konferenz über humanitres Vlkerrecht”, ZaRV, 38, 1978, pp. 15 ss.
[31] المادة 12.
[32] المادة 11.
[33] المواد 12، و13، و15.
[34] انظر:
Tomuschat, « Die Bundesrepulik Deutschland und die Manschenrechtspake der Vereinten Nationen », vereinte Nationen, n° 26, 1978, pp. 2 ss.
[35] الخط من عند المؤلف.
[36] انظر:
Khol, « Berichtssystem », in Wolfrum-Prill-Brückner (éd), Handbuch Vereinte Nationen, Munich, 1977, pp. 48 ss.
[37] انظر الجزء الرابع من الميثاق الاجتماعي الأوروبي.
[38] (******) حل مجلس حقوق الإنسان محل لجنة حقوق الإنسان اعتبارا من عام 2006.
[39] المادتان 19، و20.
[40] انظر:
Cf. W ; Wiese, « Die europische Sozialcharta », Jahrbuch für interntionales Recht, n° 16, 1973, pp. 337 ss ; Messer, « Die Arbeit des Europarats auf dem Gebiet des Sozialund Gesundheitswesesns », in Das Europa des Siebzehn, Boo, 1974, p. 170.
[41] [*******] انظر بخصوص منظمة مجلس أوروبا وهيئاتها وأهدافها، محمد أمين الميداني، منظمة مجلس أوروبا. أهدافها، هيئاتها، وحماية حقـوق الإنسـان وتعزيزها، الطبعة الأولى، منشورات شركة المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، لبنان، 2018. كما أصبحت عبارة "الجمعية البرلمانية" أكثر تداولا من عبارة "الجمعية الاستشارية" في رحاب هذه المنظمة.
[42] نُشرت أربع مجلدات حتى الآن.
[43] المادة 39 من الميثاق الاجتماعي الأوروبي.
[44] انظر الفقرة 2.
[45] تتناول غالبية نصوص قانون العمل (مجموعة الاتفاقيات والتوصيات المعتمدة من قبل منظمة العمل الدولية)، بشكل مباشر أو غير مباشر، مواضيع صحة العمال.
[46] يجب الإشارة إلى أن ما يصدر من "تشريعات" من قبل منظمة الصحة الدولية يعتمد بشكل أقل على نصوص قانونية إلزامية (اتفاقيات، تنظيمات)، من تلك التي تحضرها منظمة العمل الدولية. وتفضل عادة منظمة العمل الدولية اعتماد التوصيات كأسلوب عمل.
[47] راجع الفقرة 39، ص 170 وما بعدها.
[48] انظر، بشكل خاص المادة 8 في كل من الاتفاقية رقم 1230، والمدونة.
[49] انظر:
Landy, The Effectiveness of International Supervision. Thirty Years of ILO Experience, London/Dobbs Ferry, 1966, passim.
[50] المادة 75.
[51] المادة 12 من الاتفاقيتين الأولى والثانية من اتفاقيات جنيف، والفقرة 2 من المادة 10 من اللاحق الأول، والفقرة 2 من المادة 7 من اللاحق الثاني.
[52] راجع على سبيل المثال:
CDDH/II/SR. 10, par. 26.
[53] انظر على سبيل المثال: كل من الفقرتين 2، و3 من المادة 15 من اللاحق الأول، والفقرة الأولى من المادة 9 من اللاحق الثاني، وراجع الفقرة 30.
[54] انظر على سبيل المثال: المادة 12 من اتفاقية جنيف الأولى، والمادة 12 من اتفاقية جنيف الثانية، والمادة 10 من اللاحق الأول، والمادة 3 من اتفاقيات جنيف الأربع.
[55] المادة 73 من المدونة.
[56] من أجل مناقشة المشكلات المطروحة من قبل هذه الشروط، انظر:
Akehurst, « Custom as a Source of International Law », BYIL, n° 47, 1974-1975, pp. 1 ss.
[57] انظر:
Akehurst, loc. cit., p. 38 ; Haibronner, ”Ziele und Methoden v lkerrechtlich relevanter Rechtsvergleichung”, ZaRV, n° 36, p. 203.
[58] المادتان 3 و5.
[59] يجب التذكير بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التالية: إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (قرار رقم 3452 (30) تاريخ 9/12/1975)، وكذلك القرارات 4353 (30) نفس التاريخ، و3059 (28) تاريخ 2/11/1973، و3218 (29) تاريخ 6/11/1974، وهناك جانب خاص تم التعرض إليه في القرار 11 (حقوق الإنسان والتطور العلمي والتكنولوجي) في المؤتمر الدولي حول حقوق الإنسان الذي انعقد في طهران عام 1968، ألا وهو السلامة الجسدية والعقلية أمام التقدم البيولوجي والبيو كيميائي والطب. وقد عادت الجمعية العامة للأمم المتحدة للتطرق إلى هذا الموضوع في (إعلان حول استخدام التقدم العلمي والتقني لخدمة السلام ولمصلحة البشرية)، قرار 3384 (30)، وبخاصة الفقرة 6.
[60] راجع في هذا الخصوص:
Van Boven
[61] راجع فيما يتعلق بالدور الذي يمكن أن تلعبه قرارات المنظمات الدولية في هذا الخصوص، الفقرة 4.
[62] معلومات بتاريخ 31/12/1977.
[63] عدد التصديقات على اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي تمت الإشارة إليها هي التالية: اتفاقيات رقم 102: 29، رقم 118: 31، رقم 120: 38، رقم 130: 9 (المرجع: اتفاقيات العمل الدولية، قائمة التصديقات).
[********] تم تحديث هذه الفقرة بخصوص تصديقات الدول على اتفاقيات منظمة العمل الدولية: اتفاقيات: رقم 102: 58، رقم 118: 38، رقم 120: 51، رقم 130: 16. المترجم.
[64] لم تصادق أية دولة طرف، في الميثاق الاجتماعي الأوروبي، على مواد إضافية لم يسب لها أن قبلت بها حين صادقت على هذا الميثاق. والوضع، حتى 22/12/1977، هو التالي: المادة 11 لم تقبل بها إيرلندا بالرقمين 1 و2، ولم تقبل إيرلندا، ولا فرنسا، ولا المملكة المتحدة بالرقم 2، ولم تقبل المملكة المتحدة بالرقم 2، ولم تقبل السويد والمملكة المتحدة بالرقم 4، ولم تقبل قبرص بالرقم 13، وقبلت كل الأطراف بالرقم 5.
أما فيما يتعلق باتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 118، فقد تم التصديق عليها من قبل 31 دولة. ثلاث دول قبلتها بكاملها. أما فيما يخص مختلف أجزائها، فالتصديق عليها على الشكل التالي: خدمات طبية 16 دولة، وتعويضات المرض 17 دولة، ومساعدات العجز الصحي 15 دولة، ومساعدات حوادث العمل والأمراض المهنية 26 دولة. المصدر:
Beilage zm Bundesgesetzblat teill II, Fundstellennachweis B.
[65] [*********] نود أن نذكّر بداية بأن العبارة التي استخدمها الكاتب: "المبادئ العامة للقانون المعترف بها من قبل الدول المتمدنة" هي عبارة نجدها في نظام محكمة العدل الدولية، حيث تنص المادة 38 من هذا النظام على ما يلي: "1- وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقا لأحكام القانون الدولي، وهي تطبق في هذا الشأن:
(أ) الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفا بها صراحة من جانب الدول المتنازعة.
(ب) العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال.
(ج) مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة.
(د) أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم، ويعتبر هذا أو ذاك مصدرا احتياطيا لقواعد القانون وذلك مع مراعاة أحكام المادة 59.
2- لا يترتب على النص المتقدم ذكره أي إخلال بما للمحكمة من سلطة الفصل في القضية وفقا لمبادئ العدل والإنصاف متى وافق أطراف الدعوى على ذلك".
والسؤال المطروح من هي الأمم المتمدنة ومن هي الأمم غير المتمدنة؟ وهل الأمة العربية أمة متمدنة أم لا؟ وهل الأمة الإسلامية أمة متمدنة أم ؟ لا ننسى بأن هذا النظام قد تم اعتماده بعد الحرب العالمية الأولى وحين أُسست عصبة الأمم وكانت محكمة العدل التي عُرفت وقتها باسم: محكمة العدل الدولية الدائمة الجهاز القضائي لعصبة الأمم. وحين تم تأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945، تم ألحاق نظام محكمة العدل الدولية بميثاق هذه المنظمة واعتبار هذه المحكمة الجهاز القضائي للأمم المتحدة ولكن تم إلغاء كلمة "الدائمة". فبعد الحرب العالمية الأولى كان هناك في نظر المجتمع الدولي "أمم متمدنة" و"أمم غير متمدنة"، وبقي الأمر على هذا المنال بعد الحرب العالمية الثانية. المترجم.
[66] راجع على سبيل المثال آراء القاضي (تاناكا) في اجتهادات محكمة العدل الدولية، مجموعة 1970، ص 154 وما بعدها، قضية (Barcelona Traction) المرحلة الثانية، ومجموعة عام 1966، ص 300 قضية (Sud-Ouest Africain) المرحلة الثانية.
[67] الفقرة 55.
[68] نستطيع القول بأن توصيات منظمة الصحة العالمية لا تتناول بالبحث إلا الجوانب العملية من الحق في الصحة. ونذكر مثلا: التوصيات الخاصة باستئصال الأمراض المعدية، وكتاب وقرارات مجلس الصحة العالمي، والهيئة التنفيذية، الجزء الأول، ص 52 وما بعدها.
[69] نذكر مثلا التوصيات رقم 69 الخاصة بالعناية الطبية، ورقم 70 الخاصة بالقواعد الأساسية المتعلقة بالسياسة الاجتماعية في الأراضي غير المستقلة (المادة 27)، ورقم 97 الخاصة بحماية صحة العمال في أمكنة العمل، ورقم 112 الخاصة بخدمات طب العمل في المؤسسات.
[70] إعلان المعوقين عقليا، قرار رقم 2856 (29)، وإعلان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، قرار رقم 3447 (30).
[71] قرار رقم 2542 (9)، المادة 21. ونذكر بأن هذا القرار لا يأخذ بعين الاعتبار الحق في الصحة كأمر تم تحقيقه، ولكن كهدف نسعى لبلوغه. ومن المهم أن نذكر أيضا بأن الحق في الصحة هو من الأمور غير الخاضعة للنقاش في الإعلان، راجع وثيقة الأمم المتحدة رقم:
A/C.3/SR. 1718 et 1718 A/PV. 1829.
[72] راجع حول قيمة هذه النصوص، الفقرة رقم34، ص 163.