عانت مختلف دول المجتمع الدولي من مظاهر مختلفة للتمييز، وسعت جاهدة المنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة، لحظر هذه المظاهر ومناهضتها من خلال اعتماد العديد من الصكوك الدولية. ويجب أن نشير، بداية وفي هذا المجال، إلى ميثاق هذه المنظمة لعام 1945، حيث نصت الفقرة 3 من المادة الأولى، وفيما يتعلق بمقاصد الأمم المتحدة، على واحد من بين هذه المقاصد ألا وهو: "....تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء". ونصت أيضا المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، على ما يلي: "لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر".
وإزاء الأحداث العنصرية الأخيرة التي شهدتها بعض المدن في الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة وفاة المواطن الأمريكي (جورج فلويد)، ومظاهر الشغب والمظاهرات والاحتجاجات التي اندلعت في العديد من مدن العالم؛ سيكون مفيدا التذكير باتفاقية هامة اعتمدتها الأمم المتحدة مباشرة بعد اعتمادها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونقصد بها الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والتي تم اعتمدتها من قبل الجمعية العامة بتاريخ 21/12/1965، ودخلت حيز النفاذ في 4/1/19691. ولا ننسى بأن نذكّر في هذا المجال، بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت بتاريخ 20/11/1963، إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري2.
كرست الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري جزئها الأول لمجموعة من الأحكام الموضوعية (المطلب الأول)، ويتعلق جزئها الثاني بآلية تطبيق مواد الاتفاقية (المطلب الثاني)، والجزء الثالث خاص بالأحكام الختامية (المطلب الثالث).
المطلب الأول: مضمون الاتفاقية
تتضمن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري مجموعة من الأحكام الموضوعية (المواد من 1 إلى 7)3.
حيث تبدأ هذه الاتفاقية بإعطاء تعريف للتمييز العنصري، فتنص الفقرة الأولى من مادتها الأولى على ما يلي: "يقصد بتعبير "التمييز العنصري" أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة".
وتعرض المادة 2 من الاتفاقية مجموعة من الوسائل على الدول الأطراف فيها بقصد شجب التمييز العنصري، وانتهاج سياسة تهدف للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله و"تعزيز التفاهم بين جميع الأجناس".
وتركّز المادة 3 على ضرورة شجب الدول الأطراف فيها للعزل العنصري والفصل العنصري، كما عليها أن "تتعهد بمنع وحظر واستئصال كل الممارسات المماثلة في الأقاليم الخاضعة لولايتها".
وتُعنى المادة 4 بمحاربة "جميع الدعايات والتنظيمات القائمة علي الأفكار أو النظريات القائلة بتفوق أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل اثني واحد"، أو السياسيات التي تسعى إلى "تبرير أو تعزيز أي شكل من أشكال الكراهية العنصرية والتمييز العنصري". كما يجب أن تقوم الدول الأطراف باتخاذ التدابير الفورية للقضاء على كل أشكال التمييز.
وتعّدد المادة 5 مجموعة من الحقوق السياسية والمدنية التي يجب أن تتمتع بها كل إنسان متواجد على أراضي الدول الأطراف في الاتفاقية والتي تسمح بممارسة هذه الحقوق من "دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الاثني"، وتحقيق المساواة أمام القانون.
وتكفل المادة 6 لكل إنسان متواجد على أراضي الدول الأطراف في الاتفاقية اللجوء إلى محاكم هذه الدول في حال وجود انتهاكات لحقوقه وحرياته بسبب أي نوع من أنواع التمييز، ولطلب تعويض عادل أو ترضية مناسبة.
وتهتم، أخيرا، المادة 7 بالتعليم والتربية والثقافة والإعلام، وتضع على عاتق الدول الأطراف في الاتفاقية واجب "مكافحة النعرات المؤدية إلي التمييز العنصري وتعزيز التفاهم والتسامح والصداقة بين الأمم والجماعات العرقية أو الأثنية الأخرى"، كما يجب أن تتعهد هذه الدول بنشر مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، ومضمون هذه الاتفاقية.
ونلاحظ بهذا الشكل أن الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وبعد أن قدمت تعريفا للتمييز العنصري، وهو تعريف واسع يغطي مختلف أشكال هذا التمييز، انتقلت إلى وسائل شجب لا التمييز العنصري فقط، ولكن العزل العنصري والفصل العنصري أيضا. ونذكّر هنا بالاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30/11/1973، ودخلت حيز النفاذ 18/7/19764.
وأشارت أيضا الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري إلى ضرورة الاهتمام بالتعليم والتربية والثقافة والإعلام بقصد محاربة التمييز ومختلف أشكاله، ولعله من المفيد أن نشير في هذا المضمار إلى اتفاقية مكافحة التمييز في مجال التعليم التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بتاريخ 14/12/1960، ودخلت حيز النفاذ في 22/5/19625، وهي اتفاقية سابقة على اتفاقية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، اهتمت بالتعليم لما له من أهمية وتأثير، وكيف أن التأكيد على عدم التمييز، بمختلف أشكاله، والتربية عليه في مجال التعليم، الذي هو مجال حيوي وهام لكل الأشخاص بمختلف أعمارهم وأوضاعهم في أي دولة، يمكن أن يلعب دورا أساسيا في مكافحة التمييز بأشكاله المتعددة.
المطلب الثاني: آلية الاتفاقية
يتعلق الجزء الثاني من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (المواد من 8 إلى 16) بالبحث في آلية خاصة لاحترام الدول الأطراف فيها لموادها، وتنفيذ الالتزامات الملقاة على عاتقهم من خلال لجنة خاصة بالقضاء على التمييز العنصري (أولا)، وتحديد اختصاصاتها (ثانيا).
أولا: تأليف لجنة القضاء على التمييز العنصري
تتألف لجنة القضاء على التمييز العنصري6، وتطبيقا للمادة 8 من الاتفاقية، من 18 خبيراً يتِمَّ اختيارهم، لمدة أربع سنوات، بصفتهم الشخصية من بين مواطني الدول الأطراف في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. ويجب أن يكون هؤلاء الخبراء، وتبعا للفقرة 1 من المادة 8 من هذه الاتفاقية "من ذوي الخصال الخُلُقِية الرفيعة المشهود لهم بالتجرُّد والنزاهة". كما يراعى في انتخابهم قاعدة التوزيع الجغرافي العادل والتي تسمح بتمثيل مختلف الأنظمة القانونية والتعددية الثقافية والألوان الحضارية7.
وتم لاحقا تعديل بعض فقرات هذه المادة كالفقرة 6 التي تتعلق بتحمل الدول الأطراف في الاتفاقية نفقات أعضاء اللجنة أثناء تأديتهم لمهامهم، وإضافة فقرات أخرى على هذه المادة8.
ثانيا: اختصاصات لجنة القضاء على التمييز العنصري
حددت المواد من 9 إلى 14 من الاتفاقية هذه الاختصاصات، وهي: النظر في التقارير التي تقدمها الدول الأطراف في الاتفاقية، وإحالة رسائل لفت النظر، واستلام ودراسة الرسائل المقدمة من الأفراد أو جماعات الأفراد.
1- النظر في التقارير التي تقدمها الدول الأطراف في الاتفاقية
تنظُرُ لجنة القضاء على التمييز العنصري في التقارير التي تقدمها هذه الدول الأطراف "عن التدابير التشريعية أو القضائية أو الإدارية أو التدابير الأخرى التي اتخذتها والتي تمثِّل إعمالاً لأحكام هذه الاتفاقية" (المادة 9، الفقرة 1).
ويجب أنْ تقدِّم الدول الأطراف هذه التقارير في غضون سنة من بدء نفاذ الاتفاقية، والتي يمكن وصْفُها بأنها تقارير أوَّليَّة، وعلى هذه الدول أن تُقدِّم بعد ذلك تقريرا مرة كلَّ سنتين عن هذه التدابير كلَّما طلبَتْ منها ذلك اللجنة، وينظر إلى هذه التقارير الأخيرة على أنها تقارير دورية.
ويُنظر إلى التقارير الأوَّلِيَّة التي تقدِّمها الدول الأطراف، سواء تطبيقا لهذه الاتفاقية، على أهمية كبيرة لأنَّها تقدم لهذه اللجنة تصوُّراً عاماً عن أوضاع الدول التي تقدِّم تقاريرها، وتمهِّدُ الطريق للتقارير الدورية التي ستصل لاحقا9.
وتقوم اللجنة من جهتها بدراسة هذين النوعين من التقارير وتطلب المزيد من المعلومات إذا ارتأت ضرورةً لذلك. وتقدِّم اللجنة بعدها تقريرا سنويا عن أعمالها، يتضمن اقتراحات وتوصيات عامة، إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بواسطة الأمين العام (المادة 9، الفقرة 2).
2- إحالة رسائل لفت النظر
تقوم اللجنة بما كلَّفَتْها به المادة 11 من الاتفاقية من إحالة رسالة لفت نظر وصَلَتْها من دولةٍ طرفٍ في الاتفاقية ترى أنَّ دولةً طرفاً أخرى لا تطبِّق أحكام الاتفاقية. ويجب أن تقوم هذه الدولة الأخيرة بموافاةِ اللجنة كتابيا، وفي غضون ثلاثة أشهر، بكل البيانات والإيضاحات الخاصة بالمسألة موضوع الخلاف.
ويقوم رئيس اللجنة، إذا تعذَّر الوصول إلى تسوية مرضية بين الدولتين، بتعيين "هيئة توفيق خاصة" بعد مشاورات يجريها مع الدولتين المَعْنِيَّتَيْن. وتنظر هذه الهيئة في المسألة موضوع الخلاف وتُعِدُّ تقريراً عنها ترفعه إلى رئيس اللجنة يتضمن "النتائج التي توصلت إليها بشأن جميع المسائل الوقائعية المتصلة بالنزاع بين الطرفين، ويضم التوصيات التي يراها ملائمـة لحل النزاع حلا وِدِّياً" (المادة 13، الفقرة 1).
ويحيل رئيس اللجنة إلى كلٍّ من الدولتين المَعْنِيَّتَين، واللتين تبلّغَتاه في غضون ثلاثة أشهر، بقبولهما أو عدم قبولهما بتوصيات التقرير. ويقوم رئيس اللجنة بدوره بإعلام بقيَّةِ الأطراف في الاتفاقية بتقرير الهيئة وبأجوبة كل من الدولتين المَعْنِيَّتَين.
3- استلام ودراسة الرسائل المقدمة من الأفراد أو جماعات الأفراد
سمحت الفقرة 1 من المادة 14 من الاتفاقية للَّجْنة بـ "استلام ودراسة المسائل المقدمة من الأفراد أو من جماعات الأفراد الداخلين في ولاية هذه الدولة الطرف والذين يدَّعُون أنَّهم ضحايا أيِّ انتهاكٍ من جانبها لأيِّ حقٍّ من الحقوق المقررة في هذه الاتفاقية".
واشترطت الفقرة 9 من هذه المادة موافقة 10 دول عليها حتى تبدأَ اللجنةُ باستلام مثل هذه الرسائل ودراستها. ودخلت المادة 14 حيّز النفاذ في 3 كانون الأول/يناير 1982، وبعد أن وافقت عليها 10 دول أطراف في الاتفاقية. ولم تقبل بهذه المادة من الدول العربية، حتى تاريخ إعداد هذه المقالة، إلا دولتين عربيتين، وهما: الجزائر والمغرب.
أما المراحل المتعلقة بتطبيق المادة 14 فهي:
1- يجب أنْ يُبْلِغَ المُشتَكِي اللجنة بشكواه في غضون ستة أشهر من تاريخ إخفاقه في الحصول على طلبه من الجهاز الوطني الذي تؤسسه الدولة الطرف التي وافقت على هذه المادة. ويكون هذا الجهاز مختصا، تطبيقا للفقرة 2 من المادة 14 "باستلام ونظر البلاغات المقدمة من الأفراد وجماعات الأفراد الداخلين في ولايتها والذين يدَّعُون أنهم ضحايا انتهاك لأيٍّ من الحقوق المقررة في هذه الاتفاقية ويكونون قد استنفدوا طرق التَّظَلُّم المحلية المتوفرة الأخرى".
2- تلفت اللجنة، وبشكل سرِّي، نَظَرَ الدولة الطرف المشتكى عن انتهاكها لأحكام الاتفاقية إلى الشكوى المقدمة ضِدِّها ولكن من دون الإفصاح عن هوية المشتكي.
3- توافي الدولة المعنية، في غضون ثلاثة أشهر، اللجنة بكل الإيضاحات والبيانات الخاصة بموضوع الشكوى، مع ما يمكن أنْ تكون قد اتَّخذَتْه من تدابير في هذا الخصوص.
4- تقوم اللجنة أخيرا، بالنظر في الشكوى أو الشكاوى بالاعتماد على ما بحوزتها من بيانات ومعلومات وذلك بعد التأكد من أن المشتكي قد استنفد كل طُرُق الطَّعْن الداخلية، وتُوافِي المشْتكَي والدولة المشتكى منها باقتراحاتها وتوصياتها، وتُضَمِّنُ تقريرَها السنوي عرضا موجزا للمسائل التي عرضت عليها تطبيقا للمادة 14، وما تقدمت به من مختلف المقترحات والتوصيات.
لعل أهم ما يميز اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري أنها سمحت، ومنذ عام 1965، للجنة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري باستلام الرسائل المقدمة من الأفراد أو من جماعات الأفراد، بشرط أن يكونوا داخلين في ولاية الدولة الطرف في الاتفاقية والمشتكى منها، والذين يدعون أنهم ضحايا أي انتهاك من جانب هذه الدولة لأي حق من الحقوق التي نصت عليها الاتفاقية. ومما يسمح بالتأكيد على أن هذه الاتفاقية، وقد منحت هذه اللجنة إمكانية النظر في هذه الرسائل، كانت رائدة في مجال تقديم الشكاوى الفردية، وسباقة على بقية اتفاقيات الأمم المتحدة التي أعطت اللجان المعنية التي أسستها الاتفاقيات الدولية إمكانية دراسة الشكاوى الفردية ولكن في معظم الأحيان بفضل بروتوكولات أضيفت إلى هذه الاتفاقيات ولكن لم ينص عليها في صلبها، وكانت البدايات مع البروتوكول الأول الذي أضيف للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، وتتالى بعدها اعتماد بروتوكولات إضافية تسمح بتقديم الشكاوى الفردية10.
المطلب الثالث: الأحكام الختامية
تضمن الفصل الثالث والأخير من المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (المواد 17 إلى 25)، مجموعة من الأحكام الختامية التي تتعلق بالتوقيع والانضمام إليها، ونفادها في اليوم الثلاثين لتاريخ إيداع وثيقة التصديق أو التصديق أو الانضمام رقم 27 (الفقرة الأولى من المادة 19)، والتحفظات، وفض النزاعات بشأن تفسير الاتفاقية أو تطبيقها، وإعادة النظر في الاتفاقية.
الخاتمة
أردنا من خلال هذا العرض الوجيز لأحكام الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وآليتها، أن نؤكد على اهتمام منظمة الأمم المتحدة، ومنذ ستينيات القرن الفائت، باعتماد اتفاقية دولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري الذي تعاني، ولا تزال، الكثير من دول المجتمع وأفراده، من نتائجه الكارثية على الإنسانية وعلى التعايش السلمي ورفاهية المجتمعات وتقدمها.
كانت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري أول اتفاقية دولية تعتمدها الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد اعتمادها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتنص آلية هذه الاتفاقية الدولية على قيام "لجنة القضاء على التمييز العنصري"، بدراسة التقارير التي تقدمها الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، هذا من ناحية. كما تتيح الآلية، من ناحية ثانية، لهيئة هي: "هيئة توفيق خاصة" النظر في مسألة موضوع خلاف بين دولتين طرف في الاتفاقية. ويجوز، من ناحية ثالثة، للجنة القضاء على التمييز العنصري استلام ودراسة الرسائل المقدمة من الأفراد أو من جماعات الأفراد الداخلين في ولاية دولة طرف في الاتفاقية والذين يدعون أنهم ضحايا أي انتهاك من جانبها لأي حق من الحقوق المقررة فيها، وهي آلية جد هامة لتعزيز حماية حقوق الإنسان على الصعيد الدولي. ولعل الدول العربية التي لم تقبل بعد بآلية تقديم الشكاوى الفردية أن توافق عليها لتأكد بذلك حرصها على مناهضة جميع أشكال التمييز العنصري.
ولا يفوتنا أخيرا أن نشير إلى تصريحات مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان السيدة (ميشيل باشيليت)، التي نقتطف منها بعض الفقرات المتعلقة بموضوع مقالتنا، حيث قالت: "أنّه يجب الإصغاء إلى المظالم التي تعبّر عنها المظاهرات في مئات المدن الأميركية، ومعالجتها في حال رغبت البلاد في المضي بعيدًا عن تاريخها المأساوي العابق بالعنصرية والعنف.
................................................
"وإلى الأصوات التي تدعو إلى إنهاء العنصرية المترسّخة والهيكلية التي تنهش المجتمع الأميركي".
.................................
"يحتاج كلّ بلد، في جميع الأوقات ولا سيّما أثناء الأزمات، إلى أن يستنكر قادته العنصرية بشكل واضح لا لبس فيه، وأن يفكّروا فيما يدفع الناس إلى درجة الغليان، وأن يصغوا ويستخلصوا العبر، وأن يتّخذوا الإجراءات المناسبة لمعالجة عدم المساواة".
..............................
"إن التمييز الهيكلي وعنف الشرطة متفشيان في جميع أنحاء العالم. أمّا الغضب الذي شهدناه في الولايات المتحدة، وقد اندلع بعدما كشف كوفيد-19 عن أوجه عدم المساواة الصارخة في المجتمع، فيوكّد ضرورة اعتماد إصلاحات بعيدة المدى وحوار شامل لكسر دوامة الإفلات من العقاب على أعمال القتل غير القانونية التي ترتكبها الشرطة والتحيّز العنصري أثناء أداء مهامها"11.
[1] صادقت كل الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية على الدولية الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. يمكن الاطلاع على تصديق الدول العربية وانضمامها إلى هذه الاتفاقية وما قدمته من تحفظات، أو بلاغات أو تصريحات على الرابط:
http://www2.ohchr.org/english/bodies/ratification/2.htm
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تصادق حتى الآن على هذه الاتفاقية الدولية.
[2] انظر نص هذا الإعلان على الرابط:
http://hrlibrary.umn.edu/arab/b009.html
[3] انظر نص هذه الاتفاقية في: حقوق الإنسان، مجموعة صكوك دولية، المجلد الأول (الجزء الأول)، صكوك عالمية، الأمم المتحدة، نيويورك، جنيف، 2002، ص 159 وما بعدها. (لاحقا، حقوق الإنسان، مجموعة صكوك دولية، المجلد الأول (الجزء الأول)، صكوك عالمية).
[4] انظر نص هذه الاتفاقية على الرابط:
http://hrlibrary.umn.edu/arab/b011.html
[5] انظر نص هذه الاتفاقية في: حقوق الإنسان، مجموعة صكوك دولية، المجلد الأول (الجزء الأول)، صكوك عالمية، ص 185 وما بعدها.
[6] تُعرف هذه اللجنة بمصطلح (CERD).
[7] تضم اللجنة حاليا ثلاثة خبراء من الدول العربية: من الجزائر (رئيس اللجنة) (ولاية حتى عام 2022)، ومن قطر (ولاية حتى عام 2024)، ومن موريتانيا (ولاية حتى عام 2024).
[8] انظر، علاء قاعود، لجنة القضاء على التمييز العنصري (1969-2002)، الطبعة الأولى، مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، تعز، 2003.
[9] محمد يوسف علوان، محمد خليل موسى، القانون الدولي لحقوق الإنسان. المصادر ووسائل الرقابة، الجزء الأول، منشورات دار الثقافة، عمان، الطبعة الأولى، الإصدار الرابع، 2011، ص 257.
[10] انظر في هذا الخصوص، محمد أمين الميداني، اللجان الدولية لحماية حقوق الإنسان وآلياتها، الطبعة الأولى، منشورات المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، لبنان، 2017.
[11] انظر الرابط، تاريخ الاطلاع: 9/6/2020:
https://www.ohchr.org/AR/NewsEvents/Pages/DisplayNews.aspx?NewsID=25922&LangID=A