المحكمة الجنائية الدولية اصدرت مذكرة توقيف ضد فلاديمير بوتين. ماذا عن هذه المذكرة؟ صدرت الأخيرة في 17 آذار/مارس ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وماريا لفوفا-بيلوفا، مفوضة حقوق الطفل في مكتب الرئيس بوتين.
نشرت المحكمة الجنائية الدولية بيانا حول صدور مذكرتي التوقيف موضحه الأسس التي اعتمدت عليها وأسبابها، وبينت في هذه النشرة بأن المذكرتين لن يتم نشرهما لأسباب تتعلق بحماية الضحايا والشهود وسلامة التحقيقات. وتوضح هذه النشرة بأن مذكرتي التوقيف تتعلق بجرائم الحرب التي تتمثل في الترحيل غير الشرعي أو النقل غير الشرعي للأطفال من أوكرانيا إلى روسيا منذ 24 شباط/فبراير 2022. وهذه الأعمال مجرمة تبعا للمادة 8 2 (أ) 3 من نظام المحكمة الجنائية الدولية. ويتوافق هذا التجريم مع المادة 49 من اتفاقية جنيف تاريخ 12 آب/أغسطس 1949 4 الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب، والتي تعتبر هذه الأفعال بمثابة جريمة حرب.
توضح أيضا نشرة المحكمة الجنائية الدولية بأن مذكرة التوقيف الخاصة بالسيد بوتين تركز وتبعا لأسباب معقولة على الاعتقاد بأنه يتحمل المسؤولية الجنائية الفردية في ارتكاب جرائم حسب المادة 25 3 (أ) 5 من نظام المحكمة الجنائية الدولية أو لكونه المسؤول الأعلى حسب المادة 28 (ب) 6 من هذا النظام. وبمقتضى هذا الاتهام الثاني فإنه يلام على أنه لم يمارس الرقابة على الخاضعين له إداريا مدنيين كانوا أو عسكريين ارتكبوا هذه الجرائم أو أنهم سمحوا بارتكابها في الوقت الذي كان فيه هؤلاء الأشخاص تحت سيادته وسلطته الفعليين. أما مذكرة التوقيف بحق السيدة ماريا لفوفا-بيلوفا فتتعلق بها فقط كمرتكبة لتلك الجرائم.
تم إصدار مذكرات التوقيف بناء على طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في 22 شباط/فبراير 2023 تطبيقا للإجراء المتبع أمام المحكمة الجنائية الدولية. ويجب أن نعلم في الواقع بأن المدعي العام غير مؤهل أن يصدر بمفرده طلبات التوقيف. فصدور هذه الطلبات هو من عمل قضاة المحكمة الجنائية الدولية الذين يحكمون بمقتضى الإثباتات التي يقدمها المدعي لدعم طلبه. مما ينتج عنه بأن صدور مذكرة توقيف من قبل المحكمة الجنائية الدولية يدلل، من الناحية النظرية، على وجود دلائل إثبات قوية بما فيه الكفاية للموافقة على طلب المدعي. وتتعلق هذه الدلائل من ناحية بارتكاب الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ومن ناحية ثانية بمشاركة الشخص المدعى عليه بارتكاب هذه الجرائم. ممكن إذن أن نفترض بأن المدعي العام قدم دلائل إثبات حول ترحيل لأطفال أوكرانيين أو نقلهم بصورة غير شرعية نحو روسيا وحول تورط السيد بوتين بهذه الأفعال وكرئيس أعلى، وللسيدة لوفوف-بيلوفا كمرتكبة لهذه الأفعال.
هل يمكن تنفيذ مذكرة الاعتقال؟
المحكمة الجنائية الدولية ليست شرطي يقوم بتنفيذ مذكرات توقيف. يعود للدول الأطراف - وعددهم 123 - تنفيذ مذكرات التوقيف في حال تواجد الأشخاص المعنيين بها على أراضيaها. فانضمامهم إلى نظام المحكمة الجنائية الدولية يضع على كاهلهم واجب تنفيذ قرارات اتخذتها هذه المحكمة كمذكرات التوقيف. ويبقى هذا الالتزام كعامل لتخويف السيد بوتين أو السيدة لوفوا-بيلوفا من تعرضهما للتوقيف إذا قاما بزيارة دولة طرف في نظام المحكمة الجنائية الدولية. ومن الواضح أن هذا التوقيف ليس مؤكدا لأن الدول الأطراف يمكن أن تفضل الامتناع عن ذلك على الرغم من هذا الإلزام الذي يفرضه عليها نظام المحكمة الجنائية الدولية. وقد حصل ذلك في الماضي مع مذكرة التوقيف التي صدرت بحق رئيس السودان عمر البشير. وقد زار الأخير عدة دول أطراف دون أي قلق. إن إصدار مذكرة توقيف من قبل المحكمة الجنائية الدولية مسلط مثل "سيف داموليكس" 7، على رقبه المستهدف. ويعلم هذا الأخير بأنه مهدد بالتوقيف إذا دخل أراضي دولة طرف. كما سيكون عرضه لعدم الخروج من حدودها أو سيتم تقييد تنقلاته داخل الدول التي يعلم بأنه لن يكون عرضة فيها للتوقيف لأنها غير أطراف في نظام المحكمة الجنائية الدولية أو لأن هذه الدول من حلفائه على الرغم من أنهم أطراف في هذا النظام.
فيما يتعلق بالسيد بوتين، فإن من المفروض أن تردعه مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية عن زيارة عدد كبير من الدول الأطراف. بالطبع هذا التقييد على تنقلاته يمكن أن يبدو ضعيف التأثير لأن السيد بوتين نادرا ما يغادر روسيا. ولكنه يمكن أن يشكل عائقا دون حضوره عدة فعاليات دولية تنظمها الدول الأطراف. كما أنه يمكن أن يدوم ويؤثر بشكل مستمر على تنقلاته الدولية حتى بعد أن تنتهي حرب أوكرانيا.
ما هو البعد السياسي لمذكرة التوقيف؟
لمذكرة التوقيف بُعدا سياسيا فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا لأنها تشكك في سلطات روسيا ورئيسها كمرتكب جرائم حرب، والتي ترتكب في حق الأطفال. هذا الاتهام هام لأنه صادر عن قضاء جنائي دولي معترف به من قبل 123 دولة في العالم، مما يعطيه بُعدا دوليا. فالسيد بوتين متهم بأنه مجرم حرب من قبل قضاء يمثل مجموعة كبيرة من دول المجتمع الدولي.
وتعطي مذكرة التوقيف أيضا بُعدا سياسيا للمحكمة الجنائية الدولية. فيمكن للمحكمة أن تجري تحقيقات وملاحقات لأفعال تتعلق بدولة عظمى وهي من بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة. وهذا جواب على الانتقادات التي توجه إليها والمتمثلة بأنها المحكمة تحقق بأفعال ترتكبها الدول الضعيفة وأساسا الدول الأفريقية. كما تظهر أيضا بأنها مختصة لملاحقة الأفعال المرتكبة في أوكرانيا ولاتهام السيد بوتين علما بأنه يتم التشكيك بصلاحياتها لأنه لا يمكن لها أن تلاحقه على جريمة العدوان. وأوضحت المحكمة الجنائية الدولية بأنها تتفهم الادعاءات بأن نشاطاتها لم تكن على مستوى الحرب في أوكرانيا لأنه لا يمكن حصر نشاطاتها بالسيد بوتين. ولكنها تتدخل اعتمادا على قاعدة حقوقية صلبة ومن قبل قضاء موجود في حين أن توجيه الاتهام بخصوص جريمة العدوان يبقى نظريا ويرتبط مستقبلا بقيام محكمة مؤقتة تأسيسها وعملها من البعيد تحقيقه.
بينت أيضا المحكمة الجنائية الدولية بأنها يمكن أن تلاحق رئيس دولة. ينص بالتأكيد نظامها على أن صفة رئيس الدولة لا يمنحه أي حصانة جنائية بخصوص الجرائم المنصوص عليها في نظام المحكمة الجنائية الدولية. وسبق للمحكمة الجنائية الدولية أن لاحقت رئيس دولة في أثناء ممارسته لمهامه، وأصدرت مذكرة توقيف ضد السيد عمر البشير عندما كان رئيسا للسودان، ويتعلق الأمر في هذه الحالة باتهام رئيس دولة لا يقارن بروسيا. اصدار مذكرة توقيف ضد رئيس روسيا، التي هي دولة ذات قدرات نووية وعضو دائم في مجلس الأمن، يمثل مما لاشك فيه خطوة بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية، ويعتبر من طرفها تأكيدا لسلطتها وعلى الأقل لوجودها بعد مرور 25 عاما على تأسيسها عام 1998.
[1] عنوان المقالة بالفرنسية:
Mandat d’arrêt émis par la Cour pénale internationale contre Vladimir Poutine : quelles conséquences ?
ونُشرت بتاريخ 21/3/2023 على موقع:
[2] Didier Rebut, Directeur de l’Institut de criminologie et de droit pénal de Paris. Membre du Club des juristes.
[3] ينص البند (أ) من الفقرة [2] من المادة 8 من نظام المحكمة الجنائية الدولية، وعنوانها: جرائم الحرب، على ما يلي: "2- لغرض هذا النظام الأساسي تعني "جرائم الحرب":
أ) الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب/أغسطس 1949، أي أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص، أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة:
1. القتل العمد.
2. التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية.
3. تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة.
4. إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة.
5. إرغام أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية.
6. تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية.
7. الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع.
8. أخذ رهائن" إضافة من المترجم.
[4] تنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة على ما يلي: "يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه.
ومع ذلك، يجوز لدولة الاحتلال أن تقوم بإخلاء كلي أو جزئي لمنطقة محتلة معينة، إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية. ولا يجوز أن يترتب على عمليات الإخلاء نزوح الأشخاص المحميين إلا في إطار حدود الأراضي المحتلة، ما لم يتعذر ذلك من الناحية المادية. ويجب إعادة السكان المنقولين على هذا النحو إلى مواطنهم بمجرد توقف الأعمال العدائية في هذا القطاع.
وعلى دولة الاحتلال التي تقوم بعمليات النقل أو الإخلاء هذه أن تتحقق إلى أقصى حد ممكن من توفير أماكن الإقامة المناسبة لاستقبال الأشخاص المحميين، ومن أن الانتقالات تجري في ظروف مرضية من وجهة السلامة والشروط الصحية والأمن والتغذية، ومن عدم تفريق أفراد العائلة الواحدة.
ويجب إخطار الدولة الحامية بعمليات النقل والإخلاء بمجرد حدوثها.
لا يجوز لدولة الاحتلال أن تحجز الأشخاص المحميين في منطقة معرضة بشكل خاص لأخطار الحرب، إلا إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية.
لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها". إضافة من المترجم.
[5] ينص البند (أ) من الفقرة [3] من المادة 25 وعنوانها "المسئولية الجنائية الدولية" من نظام المحكمة الجنائية الدولية على ما يلي:"3- وفقاً لهذا النظام الأساسي، يسأل الشخص جنائياً ويكون عرضة للعقاب عن أية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة في حال قيام هذا الشخص بما يلي :
أ) ارتكاب هذه الجريمة سواء بصفته الفردية أو بالاشتراك مع آخر أو عن طريق شخص آخر، بغض النظر عما إذا كان ذلك الآخر مسئولاً جنائيا". إضافة من المترجم.
[6] تنص الفقرة (ب) من المادة 28 وعنوانها "مسئولية القادة والرؤساء الآخرين" من نظام المحكمة الجنائية الدولية على ما يلي: "بالإضافة إلى ما هو منصوص عليه في هذا النظام الأساسي من أسباب أخرى للمسئولية الجنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة:
1- يكون القائد العسكري أو الشخص القائم فعلاً بأعمال القائد العسكري مسئولاً مسئولية جنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب قوات تخضع لإمرته وسيطرته الفعليتين، أو تخضع لسلطته وسيطرته الفعليتين، حسب الحالة، نتيجة لعدم ممارسة القائد العسكري أو الشخص سيطرته على هذه القوات ممارسة سليمة.
أ) إذا كان ذلك القائد العسكري أو الشخص قد علم، أو يفترض أن يكون قد علم، بسبب الظروف السائدة في ذلك الحين، بأن القوات ترتكب أو تكون على وشك ارتكاب هذه الجرائم.
ب) إذا لم يتخذ ذلك القائد العسكري أو الشخص جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب هذه الجرائم أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة". إضافة من المترجم.
[7] المقصود بتعبير (épée de Damoclès) وجود خطر دائم يمكن أن يقع. شرح من المترجم.