بعض الملاحظات على مواقف فرنسا وبعض الدول الأوروبية من لباس (الحجاب)، و(العباية)، والرموز الدينية

This article is not available in English, but the Arabic version is available

أصدر مجلس الدولة الفرنسي، وهو أعلى هيئة قضائية إدارية فرنسية، قراره تاريخ 7/9/2023، برفض الطعن الذي قدمته إحدى الجمعيات الفرنسية بخصوص قرار وزير التربية الفرنسي بحظر ارتداء (العباية) في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية الحكومية الفرنسية، واعتبر المجلس قرار الوزير قانونيا 1.

ونذكّر، من ناحية، بقرار هذا المجلس بخصوص حظر ارتداء الحجاب في المسابقات الرياضية، والذي صدر في 29/6/2023 2. حيث أكد المجلس قانونية حظر ارتداء الحجاب في المسابقات الرياضية عملا بما تنص عليه المادة الأولى من نظام اتحاد الكرة الفرنسي والتي تحظر ارتداء أي إشارات أو رموز دينية في المسابقات الرياضية. وقد أثار صدور هذا القرار حينها بعض التساؤلات وأبدى عدد من القانونيين استغرابهم من حيثياته كون المقرر العام لهذا المجلس اقترح إلغاء هذه المادة الأولى 3، ولكن المجلس لم يأخذ بعين الاعتبار اقتراح مقرره العام الذي أوضح في تقريره بأن هذا الحظر يمكن أن يسبب ردود فعل سلبية لدى الرياضيات المسلمات اللواتي اخترن ارتداء الحجاب وهن يمارسن ألعابهن الرياضية، وكذلك لدى عدد من الجمعيات الرياضية والاجتماعية التي تظلمت لهذا المجلس على أمل بأن يتخذ موقفا إيجابيا من هذه القضية، ويطالب بإلغاء المادة الأولى، وهو ما لم يفعله.

ونذكّر، من ناحية ثانية، بأن هذا المجلس أدلى برأيه أيضا بتاريخ 27/11/1989 بخصوص حظر لبس الحجاب في المدارس الحكومية الفرنسية 4.

ولكن نريد، وبعد صدور هذا القرار الأخير لمجلس الدولة الفرنسي بخصوص حظر لباس (العباية)، أن نقارن بين مواقف فرنسا بخصوص الحجاب والعباية والرموز الدينية وبين مواقف بعض البدان الأوروبية المجاورة والقريبة أو البعيدة عن فرنسا 5:

ألمانيا: لا يتم التطرق لقضية العباية أو الحديث عنها في ألمانيا، كما هو الحال الآن في فرنسا، ولعل ذلك يعود إلى أن الجماعات الإسلامية في ألمانيا، وحسب تقارير صحفية، يأتي معظمها من تركيا حيث لا يتم عادة ارتداء هذه النوع من الألبسة. وتُعّد بشكل عام، حرية المعتقد حقا يحميه القانون الأساسي الألماني، على خلاف العلمانية الفرنسية، حيث لا يوجد في ألمانيا فصلا قاطعا بين الكنيسة والدولة. وتسعى ألمانيا، وتبعا لتاريخها المعاصر، أن تظهر الحياد والتسامح تجاه كل جيرانها من دول العالم وكذلك تجاه كل الديانات. ولكن يجب على المسلمين فيها، وفي بعض الحالات، أن يلجؤوا إلى المحاكم للتأكيد على حقوقهم، وبحسب هذه التقارير الصحفية، وكمثال على ذلك القبول بالنقاب الذي يغطي كامل الوجه ما عدا العينين في الصف. ويجب التنبيه إلى أنه يعود للتفتيش المدرسي في المدارس الألمانية أن يمنع الرموز الدينية، إذا كان السلم المدرسي عرضة للتهديد بشكل أكيد.

اسبانيا: يحظر ارتداء الحجاب والطاقية اليهودية في الجيش الاسباني. ولا يتعلق هذا الحظر عموما بالرموز الدينية حيث لا يُسمح بأي غطاء للرأس في الجيش الاسباني ما عدا القبعة العسكرية. ولا يوجد في إسبانيا أي أنظمة وطنية تتعلق بمفهوم العلمانية. فيطبق على كل من يعمل في مجال التربية والتعليم قواعد السلطات المحلية في هذا الخصوص، وفي حال غياب هذه القواعد، فيعود لهذه السلطات اللجوء إلى سلطتها التقديرية. ونجد تشددا في التعليم الديني الخاص داخل الصفوف، في حين تم حظر تعليق الصلبان على حيطان الصفوف منذ عام 2010، بهدف تشجيع العلمانية في اسبانيا. ولا يشكل موضوع العلمانية قضية محورية بالنسبة للإسبانيين في الوقت الذي تطغى فيه كما نعلم الديانة الكاثوليكية على الحياة العامة في إسبانيا، وبحسب المصادر الصحفية، ولكن من دون أن يسبب ذلك أية صدمة لأحد.

الدنمارك: يُمنع في الدانمارك تغطية الوجه. ويُحظر منذ عام 2018 النقاب والبرقع. وتصل الغرامة إلى 160 إلى 1600 يورو في حال تكرر تغطية الوجه.

السويد: لا يوجد في مملكة السويد أي قاعدة تتعلق بالملابس الدينية. فيمكن للشخص أن يرتدي العباية، أو غطاء الرأس اليهودي، أو الصليب، أو الحجاب الإسلامي في الفضاء العام والفضاء الرسمي كالمدارس، والمستشفيات، والجيش، والمسابح، وينطبق ذلك على الموظفين و/أو الموظفات، كما يشمل المؤسسات الخاصة. وتُعّد حرية التعبير مقدسة ويحميها الدستور السويدي. كما يُعّد حقا التعريف بالهوية الدينية، وقد دافعت المحكمة الدستورية السويدية عن هذا الحق في العديد من القضايا التي عُرضت عليها.

فنلندا: اعتادت اللجنة الوطنية الفنلندية لكرة القدم أن تقدم للمنتسبين إليها قمصان، وسراويل وجوارب، ولكنها زادت على ذلك، ومنذ عامين، الحجاب الرياضي على هذه القائمة.

النروج: يحظر لبس البرقع في المدارس والجامعات النروجية.

نلاحظ بعض هذه العرض السريع والمختصر تنوع مواقف البلدان الأوروبية المذكورة، وغالبيتها أعضاء في الاتحاد الأوروبي، من الرموز الدينية على مختلف أشكالها وأنواعها. ولكن تبقى العلمانية، بتفسيراتها المتشددة في بعض الأحيان، هي الغالبة والمسيطرة في فرنسا.



[1] انظر الرابط: تاريخ الاطلاع: 8/9/2023:

https://www.lemonde.fr/societe/article/2023/09/07/abaya-le-conseil-d-etat-valide-l-interdiction-a-l-ecole_6188297_3224.html#:~:text=Le%20Conseil%20d%27Etat%20a,la%20suspension%20de%20cette%20mesure

[2] انظر نص القرار على الرابط: تاريخ الاطلاع 7/7/2023:

https://www.conseil-etat.fr/actualites/interdiction-par-la-fff-du-port-pendant-les-matchs-de-tout-signe-ou-tenue-manifestant-ostensiblement-une-appartenance-politique-philosophique-r

[3] انظر الرابط، تاريخ الاطلاع: 8/9/2023:

Football : le Conseil d’État maintient l’interdiction du port du hijab lors des compétitions - Le Parisien

[4] انظر نص القرار على الرابط: تاريخ الاطلاع 7/7/2023:

https://mafr.fr/fr/article/conseil-detat-25/

[5] نقلا عن فرانس آنفو (France Info)، تاريخ الاطلاع: 4/9/2023:

https://www.francetvinfo.fr/replay-radio/le-club-des-correspondants/abaya-interdite-a-l-ecole-en-france-qu-en-est-il-chez-nos-voisins-europeens_6016610.html#xtor=CS2-765-%5Bautres%5D-

back