خطر الألغام والذخائر غير المتفجرة في سورية: التذكير بالاتفاقية الدولية لحظر الألغام

This article is not available in English, but the Arabic version is available

نبهت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إلى خطورة الذخائر غير المنفجرة في سورية، وصرح أحد مسؤوليها بأنه "قُتل أو أصيب 116 طفلا بسبب الذخائر غير المنفجرة في كانون الأول/ديسمبر الماضي وحده، أي بمعدل أربعة أطفال يوميا" 1. وأوضح أيضا بأن هذه الذخائر غير المتفجرة تشكلا تهديدا بخصوص عودة النازحين إلى ديارهم. كما أوضح إلى أنه يوجد حوالي "320 ألف ذخيرة غير منفجرة"، وأشار إلى أن خطر هذه الذخائر "يؤثر على خمسة ملايين طفل يعيشون في مناطق شديدة الخطورة تنتشر فيها الذخائر غير المنفجرة والألغام المضادة للأفراد". وذكر "أنه خلال السنوات التسع الماضية تم تسجيل ما لا يقل عن 422 ألف حادثة تتعلق بالذخائر غير المنفجرة في 14 محافظة في عموم البلاد. وأسفر نصفها عن خسائر فادحة يبن الأطفال" 2.

كما وثقت منظمة غير حكومية أمريكية وهي "ذا هالو ترست" والتي تعمل في مجال إزالة الألغام، مقتل 80 شخصا على الأقل، من بينهم 12 طفلا في الفترة ما بين 8/12/2024 إلى 7/2/2025 3.

أُعيد نشر مقال لي سبق وتم نشره عام 2010، بخصوص اتفاقية حظر الألغام (اتفاقية أوتاوا) التي تم اعتمادها عام 1997، ودخلت حيز النفاذ عام 1999، مع بعض التحديث لمواكبة ما جد بخصوص مصادقة الدول العربية على هذه الاتفاقية وغيرها من الاتفاقيات المتعلقة بالألغام، وبقصد لفت الانتباه أيضا إلى خطورة استخدام الألغام على مختلف أنواعها والنتائج الكارثية التي تخلفها. فيجب التنبيه إلى الأخطار التي تحدق بسورية وشعبها بعد انهيار النظام الأسدي في نهاية العام الفائت. ونذكّر من بين هذه الأخطار مخلفات الحرب التي تلظى بها الشعب السوري لأكثر من عقد ومن بينها الأسلحة والذخائر والألغام. وجاءت الفرصة الآن لتدارك ما لم تقم به سورية في مجال الألغام وحظرها، مما يستدعي التصديق، وفي أقرب فرصة، على اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد (اتفاقية أوتاوا) لعام 1997، لذلك نضع بين يدي القراء الكرام مقال عن هذه الاتفاقية وآلياتها آملين أن يساعد ذلك بالتعريف بمضمونها وأهميتها، ولنذكر أيضا بضرورة التصديق على الاتفاقية الدولية لحظر القنابل العنقودية لعام 2008، مما سيساعد لاحقا على الانتهاء من مخلفات الحرب وأثارها، وسعيا لحقن دماء السوريين مستقبلا.

عشر سنوات على الاتفاقية الدولية لحظر الألغام، الحاجة لآليات تنفيذية لتحقيق الأهداف 4

يشكل اعتماد اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد (اتفاقية أوتاوا)، خطوة هامة على درب حماية الأفراد، من ناحية، وتطور القانون الدولي الإنساني، من ناحية ثانية.

ويندرج الاجتماع الذي عقد في مدينة (قرطاجنة) بكولومبيا في الفترة ما بين 29 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 4 كانون الأول/ديسمبر 2009، في نطاق تعزيز جهود المجتمع الدولي ومختلف منظماته، ومن بينها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لتفعيل آلية اتفاقية حظر الألغام، وذلك من خلال اعتماد خطة عمل يتم تنفيذها على مدى خمس سنوات، لتحقيق مجموعة من الأهداف من بينها: تطهير المناطق الملغومة، ومساعدة ضحايا الألغام، وتدمير مخزون الألغام المتبقية.

لكن لا يكفي اعتماد اتفاقية لحسن تنفيذها إذ من الضروري إيجاد آلية تسمح بتنفيذ هذه الأهداف الهامة، مثل: تدريب مجموعة من الشباب في الدول التي سبق وانضمت إلى اتفاقية حظر الألغام، وبخاصة في الدول العربية التي انضمت إلى هذه الاتفاقية، للقيام بتطهير المناطق الملغومة. ويجب كذلك تأسيس مراكز لمساعدة ضحايا الألغام وذلك في الدول التي لم تؤسس بعد مثل هذه المراكز - وكم تفتقر البلدان العربية لمثلها - وتزويدها بالأطباء والأجهزة الأساسية لخدمة هؤلاء الضحايا. ويجب ألا يغيب عن أذهاننا أن تدمير مخزون الألغام في مختلف الدول مرهونا بالسياسات العامة للدول ومدى مصداقيتها باحترام التزاماتها الدولية.

ويحتفل المجتمع الدولي في الرابع من شهر نيسان/أبريل من كل عام باليوم الدولي للتوعية بالألغام والمساعدة في مكافحة الألغام. ويسعى هذا المجتمع من خلال دوله ومنظماته الإقليمية والدولية لحظر القنابل على اختلاف أنواعها، والألغام على اختلاف أشكالها، وللحد من انتشارها، وإيجاد أفضل الوسائل، وأنجع الحلول لمعالجة ما يمكن أن تخلفه من نتائج وآثار إنسانية واجتماعية وبيئية.

كما نذكّر أيضا بأنه اعتماد الاتفاقية الدولية لحظر القنابل العنقودية في العاصمة الايرلندية (دبلن)، في 30/5/2008 من قبل 107 دولة، وتم التوقيع عليها في العاصمة النرويجية (أوسلو) يوم 3/12/2008، من قبل 92 دولة من أصل 125 دولة شاركت بالاحتفال على توقيع هذه الاتفاقية. ووقعت وقتها خمس دول عربية فقط على هذه الاتفاقية، وهي: تونس، وجزر القمر، والصومال، والعراق، ولبنان، وصادقت عليها حتى 21/11/2024 سبع دول عربية، وهي: تونس، وجزر القمر، والصومال، والعراق، وفلسطين، ولبنان، وموريتانيا 5. ودخلت هذه الاتفاقية حيز النفاذ في 1/8/2010.

ويأتي اعتماد اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد (اتفاقية أوتاوا) كخطوة هامة من الخطوات التي خطاها المجتمع الدولي في الكفاح ضد القنابل والألغام التي أوقعت الآلاف من الضحايا في مختلف النزاعات والحروب حول العالم. حيث اهتم المجتمع الدولي بقضايا الألغام، وسعى لتحضير اتفاقية تحظرها، منذ تسعينيات القرن الفائت. ويمكن أن نشير في هذا الصدد إلى تأثر عدد من الدول العربية بالألغام ومخلفات الحروب. وجاء التحضير لاتفاقية حظر الألغام خلال عامي 1996 و1997، وشاركت العديد من دول المجتمع الدولي، والمنظمات غير الحكومية في مراحل هذا التحضير.

وتتضمن اتفاقية حظر الألغام التي نحن بصددها، والتي تم اعتمادها في 18/9/1997، والتي دخلت حيز النفاذ في 1/3/1999، بالإضافة إلى الديباجة، 22 مادة، لكل مادة عنوان خاص يحدد الهدف منها.

وحتى أبريل/نيسان 2010، صادقت على هذه الاتفاقية الدولية والمعروفة أيضا باسم (اتفاقية أوتاوا) لعام 1997، إحدى عشر دولة عربية 6، وهي: الأردن (1998)، وتونس (1999)، وجيبوتي (1998)، والجزائر (2001)، وجزر القمر (2002)، والصومال (2012)، والعراق (2007)، وعُمان (2014)، وقطر (1998)، والسودان (2003)، والكويت (2007)، وموريتانيا (2000)، واليمن (1998) 7. وشكل لقاء قمة قرطاجنة الاجتماع الاستعراضي الرئيسي الثاني الخاص بتنفيذها.

وسيكون من المفيد، وبغرض أن تتضح لنا التزامات الدول الأطراف في الاتفاقية الدولية لحظر الألغام، أن نقدم أحكامها (أولا)، ونطلع على آليتها (ثانيا)، ونرى أخيرا المميزات التي تتمتع بها على ضوء الاجتماع الأخير في قمة قرطاجنة (ثالثا).

أولا

أحكام الاتفاقية

تنص الاتفاقية على الالتزامات العامة الملقاة على عاتق الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، وهذه الالتزامات على نوعين: تعهد بعدم استعمال الألغام المضادة للأفراد وما يتبع ذلك من استحداثها أو إنتاجها أو حيازتها أو تخزينها أو الاحتفاظ بها أو نقلها بشكل مباشر أو غير مباشر، هذا من ناحية. كما تحظر مساعدة أحد أيا كان أو حثه أو تشجيعه على القيام بهذه الأنشطة المحظورة، من ناحية ثانية.

وهي تعرف "اللغم" على أنه: "ذخيرة تكون مصممة لتوضع تحت سطح الأرض أو تحت رقعة سطحية أخرى أو فوق أو قرب أي منهما وتنفجر بفعل وجود شخص أو مركبة عندها أو قريبا منها أو مس أحدهما لها". أما "اللغم المضاد للأفراد" فهو: "لغم مصمم للانفجار بفعل وجود شخص عنده أو قريبا منه أو مسه له، ويؤدي إلى شل قدرات أو جرح أو قتل شخص أو أكثر"، وتبحث المادة 3 في استثناءات الاحتفاظ بعدد من الألغام المضادة للأفراد أو نقلها الخ.

وتفرض الاتفاقية على الدول الأطراف فيها، تدمير أو ضمان تدمير كل مخزون الألغام المضادة للأفراد التي لديها أو تكون خاضعة لولايتها، وذلك في أقرب مدة ممكنة، على أن لا يتعدى ذلك "أربع سنوات" من بدء نفاذ الاتفاقية في حقها، هذا من ناحية. كما على الدول الأطراف، من ناحية ثانية، تدمير الألغام المضادة للأفراد في المناطق الملغومة التي تخضع لولايتها في فترة لا تتعدى عشر سنوات من تاريخ بدء نفاذ الاتفاقية. ويجب على هذه الدول تحديد المناطق المزروعة بالألغام المضادة للأفراد وحمايتها بسـياج أو غيره من الوسائل، ووضع علامات حول الحدود الخارجية لحقوق هذه الألغام تماشيا مع المعايير المحددة في البروتوكول المتعلق بحظر وتقييد استعمال الألغام والفخاخ المتفجرة والأجهزة الأخرى، المعتمد في 2/5/1961 بصيغته المعدّلة.

ثانيا

آلية الاتفاقية

تتميز اتفاقية حظر الألغام بآلية حماية وتنفيذ للمواد التي تنص عليها. فهي تلقى على عاتق كل دول طرف في الاتفاقية، وفي مهلة لا تتجاوز 180 يوما بعد بدء تنفيذ الاتفاقية، واجب تقديم تقريرا أوليا مفصلا حول مخزون الألغام لديها وكمياتها وأنواعها والمواقع المزروعة به الخ، ومواقع كل المناطق المزروعة بالألغام الخاضعة لولايتها، وحالة برامج تدمير الألغام المضادة للأفراد تطبيقا للمادتين 4 و5، وأنواع وكميات الألغام المدمرة بعد دخول الاتفاقية حيز النفاذ في مهلة لا تتجاوز 180 يوما من بدء تنفيذ الاتفاقية، وهو ما يندرج تحت عنوان "تدابير الشفافية". كما تقدم الدول الأطراف في الاتفاقية تقريرا سنويا لاستكمال المعلومات التي تضمنها تقريرها الأولي.

إلى ذلك تسمح لكل دول طرف في الاتفاقية تقديم طلب، عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة، لدولة طرف أخرى للاستفسار عن امتثالها للالتزامات التي تنص عليها هذه الاتفاقية، حيث يمكن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق وإيفادها إلى إقليم الدولة المطلوب منها تقديم إيضاحات عن امتثالها لأحكام الاتفاقية على أن ترفع اللجنة تقريرها إلى اجتماع الدول الأطراف أو الاجتماع الخاص لهذه الدول عن طريق الأمين العام، وهناك إمكانية لإحالة هذا التقرير إلى مجلس الأمن التابع لهذه المنظمة في حالات الضرورة القصوى.

وتسعى الاتفاقية لتسوية النزاعات التي قد تنشأ بين الدول الأطراف فيها. ويمكن عرض أي نزاع ينشأ على اجتماع الدول الأطراف. وأتاحت الاتفاقية لكل من "الأمم المتحدة والمنظمات أو المؤسسات الدولية الأخرى والمنظمات الإقليمية ذات الصلة ولجنة الصليب الأحمر الدولية والمنظمات غير الحكومية المعنية" حضور كل مؤتمرات الاستعراض ولكن بصفة مراقبين.

ثالثا

مميزات الاتفاقية

تسمح الاتفاقية للدول التي تمتلك ألغاما "بالاحتفاظ بعدد من الألغام المضادة للأفراد أو نقلها لأغراض استحداث تقنيات الكشف عن الألغام، أو إزالتها أو تدميرها والتدريب عليها"، وهي واحدة من عدة مميزات خاصة باتفاقية (أوتاوا).

ولا يشترط أن يبدأ نفاذ الاتفاقية حتى تبدأ الدول الأطراف بتطبيقها وهو ما يدل على الاهتمام بضرورة الإسراع في التوقف عن استخدام الألغام المضادة للأفراد وإنتاجها، بالتجاوز لما هو متعارف عليه من تطبيق الدول لأحكام الاتفاقيات التي تصادق أو تنضم أو توافق عليها بعد فترة زمنية محددة لالتزامها بها، وما ذلك إلا لتفاقم مشكلة هذه الألغام وخطورتها على حياة الأفراد.

على ذلك تحظر الاتفاقية تقديم أية تحفظات تتعلق بمختلف موادها وفقراتها وهو ما يعني بأن تطبيق هذه الاتفاقية يجب أن يتم بشكل كلي، وأن تحترم التزاماتها بشكل مطلق، وأن تسعى الدول المصدقة عليها أو المنضمة إليها إلى تنفيذ أهدافها وتحقيق الغايات التي اعتمدت هذه الاتفاقية من أجلها.

ويبقى، أخيرا وليس آخرا، أن تقوم الدول العربية ومن بينها سورية التي لم تصادق بعد على اتفاقية حظر الألغام بالمصادقة عليها، وبالذات تلك التي تتأثر بالألغام ومخلفات الحروب، هذا من جهة. كما يجب أن تعمل الدول التي صادقت عليها، من جهة ثانية، على احترام نصوصها وأحكامها، وبخاصة أنها كانت من الدول السباقة للتصديق عليها.



* رئيس المركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، ستراسبورغ، فرنسا. أستاذ محاضر في جامعة ستراسبورغ.

[1] انظر، تاريخ الاطلاع: 15/1/2025:

https://www.dw.com/ar

[2] المرجع السابق.

[3] انظر، تاريخ الاطلاع: 16/1/2025:

https://www.bbc.com/arabic/articles/cy8p9qdp02wo

[4] نُشر هذا المقال في مجلة (الإنساني)، تصدر عن الصليب الأحمر الدولي، شتاء 2009/2010، ص 42-43.

[5] انظر: تاريخ الاطلاع: 15/1/2025:

https://www.clusterconvention.org/country-profiles/

[6] لم تصادق أي دولة عربية جديدة، ومنذ عام 2010، على هذه الاتفاقية. انظر، تاريخ الاطلاع: 12/1/2025:

https://treaties.un.org/pages/ViewDetails.aspx?src=TREATY&mtdsg_no=XXVI-5&chapter=26&clang=_en

[7] انظر:

https://ihl-databases.icrc.org/applic/ihl/ihl.nsf/States.xsp?xp_viewStates=XPages_NORMStatesParties&xp_treatySelected=580

back